الاقتصاد والظاهرة الاجتماعية للشعوب
الاقتصاد والظاهرة الاجتماعية للشعوب
لقد أغفلت الاشتراكية والرأسمالية، أشياء مهمة في الظاهرة الاجتماعية، فقد نظرت الاشتراكية للإنسان كآلة وحرمته من أبسط حقوقه كالتملك، عاملته الرأسمالية كالحيوان في ظل جو من الحرية المطلقة يسير خلف إشباع رغبته، فإذا أردنا استخلاص نتيجة صادقة لبناء اقتصاد قوي لا بدَّ إذن أن نعمل على التوفيق بين المعادلة الشخصية والنفسية للأفراد وبين المعادلة الاقتصادية للقرن العشرين، وهذا بالضبط ما لم يحاول الاستعمار فعله في البلدان المستعمرة، حيث كان العمل لا يعدو أن يكون استرقاقًا وعبودية، وكان يهدف فقط إلى إثراء المستعمِر أكثر منه من تيسير سبل العيش لأصحاب الأرض، مما أدى إلى سلبهم الوعي الاقتصادي المطلوب لإنشاء نهضة حتى بعد زوال الاستعمار، وعلى ذلك وفضلًا عن التخلف الناشئ عن عوامل اقتصادية مما يجب على الشعوب أن تتداركه، فإن عليها أن تتدارك تخلفها الناشئ عن عوامل نفسية واجتماعية بحتة.
فالمشكلة في منشأها تتعلق بالجذور النفسية والثقافية أكثر منها بالعوامل الاقتصادية البحتة، فقد صار الاقتصاد في الغرب دعامةً أساسيةً للحياة الاجتماعية، أما الحضارة الإسلامية في الشرق فقد نزلت في فترة من التطور العام للبشر بين الحضارات العتيقة وحضارة الغرب، وذلك لأن الوعي الاقتصادي لم ينمُ في شعور العالم الإسلامي النمو الذي نماه في الغرب، كما أن الفكر الإسلامي في عصر ما بعد الموحدين فقدَ وظيفته بصورة أساسية، إذ أصبح آلة تسمع صوتها ولا ترى منها شيئًا.
وفي كلا الاتجاهين سواء أكان اشتراكيًّا أم رأسماليًّا لا يصح محاولة تركيب روح إسلامية على جسم أجنبي يرفضها وترفضه، لأنه حتى في التجربة المطبقة في بعض البلدان العربية يتم فيها محاولة تسخير جسم (الاشتراكية / الرأسمالية) مفصولًا عن روحه (الشيوعية / الحرية المطلقة)، ولا يضر المسئولين العرب الذين يطبقون تلك التجربة في بلادهم أنها لم يقدر لها النجاح الذي حققته في دولها المستورَدة منها.
الفكرة من كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
يعدُّ هذا الكتاب محاولة لتصفية الفكر الإسلامي في الأذهان مما علق به من بعض العُقد التي قد تستولي على اجتهاده في مجال الاقتصاد، طبقًا لمبادئ ومسَلمات مذهبية معينة ترى حتمية اختيار لا فرار منه بين أفكار ونظم الرأسمالية أو الماركسية، دون التفكير في اكتشاف طريق ثالث وفقًا للتصور الإسلامي لفقه الحضارة، كما يكشف بجلاء عن الدور الأساسي والخفي للمعادلة المجتمعية وأثرها في عملية تشكيل الحضارة وصنع التنمية الاقتصادية المستدامة.
مؤلف كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
مالك بن نبي: عالم ومفكر إسلامي، ولد في مدينة تبسة بالجزائر عام 1905م.
يعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون، وهو من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة.
عمل مستشارًا لمنظمة التعاون الإسلامي، وعُين مديرًا عامًّا للتعليم العالي في الجزائر.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
شروط النهضة.
الظاهرة القرآنية.
مشكلات الحضارة.
وجهة العالم الإسلامي.
مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.
توفي مالك بن نبي في الجزائر يوم الـ31 من أكتوبر عام 1973م.