الاقتصاد والأخلاق
الاقتصاد والأخلاق
يؤكد الكاتب ضرورة الترابط بين القيم الاقتصادية والأخلاقية، هذا الترابط الذي أهملته النظريات الاقتصادية الوضعية في نظرتها المجتزئة إلى الاقتصاد، بينما نرى الرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا في قضية المتسول الذي أتى يسأل يومًا لقمة عيش كان من حقه أن يأخذها من المجتمع، فأشار الرسول على من حوله من الصحابة – رضوان الله عليهم – بأن يجهزوا هذا الفقير ليحتطب ليأكل من عمل يده، فإذا حللنا الأبعاد الخلقية لهذه القصة، نرى كيف يحل الرسول صلى الله عليه وسلم أزمة اجتماعية تعرض عليه صورة متسول من المساكين، فيفضل حلها في نطاق العمل على نطاق الصدقة، أو بمنطق الاقتصاد فنراه صلى الله عليه وسلم يفضل الحل في نطاق الإنتاج على الحل في نطاق الاستهلاك، فاليد التي تعطي خير من اليد التي تأخذ.
وينتقل الكاتب مما سبق ليصور لنا معادلة جبرية تجمع بين حق الفرد في حياة كريم وبين الواجب عليه في الاشتراك في العملية الإنتاجية، فهذه المعادلة التى تجمع بين الحق والواجب يمكن ترجمتها اقتصاديًّا إلى معادلة الاستهلاك والإنتاج، وعلى حسب تقييم المجتمع لمفهوم الحق والواجب، أو بمعنى آخر لمفهوم الاستهلاك والإنتاج تكون نتيجة تلك المعادلة، إما إيجابية بفائض الإنتاج على الاستهلاك، وإما متعادلة إذا استوى الطرفان، وإما سلبية إذا كان الاستهلاك أرجح في الميزانية.
من هنا يمكن القول إن مستقبل الشعوب الإسلامية مرهون بمدى تقييمه العملي لتلك المعادلة الأخلاقية الاقتصادية بعدة حالات وهي كالآتي: في الحالة الأولى يستطيع المجتمع استثمار فائض إنتاجه عن الاستهلاك في العمليات الإنتاجية المقبلة، عبر الاستثمار وزيادة رأس المال وتوسيع القاعدة الإنتاجية، فهو في ذلك يمكن وصفه بالمجتمع النامي.
وفي الحالة الثانية تكون كفتا الميزان أي الاستهلاك والإنتاج متعادلتين، فلا ترجح واحدة على الأخرى، أي لا يصعد ولا يهبط، ولذلك يمكن وصف هذا المجتمع بالراكد، وفي الحالة الثالثة وهذه هي الأسوأ في تلك الحالات الثلاث، إذ إن كفة الاستهلاك أرجح من كفة الإنتاج، أي هذا المجتمع لا هو صاعد ولا حتى مستقر، لذا يصدق عليه وصف الانهيار.
الفكرة من كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
يعدُّ هذا الكتاب محاولة لتصفية الفكر الإسلامي في الأذهان مما علق به من بعض العُقد التي قد تستولي على اجتهاده في مجال الاقتصاد، طبقًا لمبادئ ومسَلمات مذهبية معينة ترى حتمية اختيار لا فرار منه بين أفكار ونظم الرأسمالية أو الماركسية، دون التفكير في اكتشاف طريق ثالث وفقًا للتصور الإسلامي لفقه الحضارة، كما يكشف بجلاء عن الدور الأساسي والخفي للمعادلة المجتمعية وأثرها في عملية تشكيل الحضارة وصنع التنمية الاقتصادية المستدامة.
مؤلف كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
مالك بن نبي: عالم ومفكر إسلامي، ولد في مدينة تبسة بالجزائر عام 1905م.
يعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون، وهو من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة.
عمل مستشارًا لمنظمة التعاون الإسلامي، وعُين مديرًا عامًّا للتعليم العالي في الجزائر.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
شروط النهضة.
الظاهرة القرآنية.
مشكلات الحضارة.
وجهة العالم الإسلامي.
مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.
توفي مالك بن نبي في الجزائر يوم الـ31 من أكتوبر عام 1973م.