الوجه الآخر للنظام العالمي الجديد

الوجه الآخر للنظام العالمي الجديد
لعل من المفارقات التاريخية التي توضح بجلاء مهزلة النظام العالمي الجديد هو تصريح روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي إبان حرب فيتنام بأن أمريكا قتلت ثلاثة ملايين فيتنامي عن طريق الخطأ! العجيب في الأمر أن ماكنمارا خرج من هذا الخطأ بمنصب رئيس البنك الدولي! فالأمر لا يعدو أن يكون مسرحية هزلية ستؤدي في النهاية بلا شك إلى مأساة تراجيدية تتلظى بنارها تلك الشعوب المستضعفة المغلوبة على أمرها.

وإذا استعرضنا التاريخ الحديث والمراسلات السرية بين سفارات الدول وجدنا أن العالم قبل الحرب العراقية الكويتية خلال عام 1991 شيء وما بعده شيء آخر، فرغم أن المظهر العسكري للحرب قد انتهى بإنهاك العراق وإرغامه على الخروج من الكويت، فإن ذلك كان إيذانًا لبداية حرب كبرى على مقدرات العالم العربي ما زالت مشتعلة إلى اليوم، فالأجيال المتعددة للحروب والتي تخطت مفهوم الوسائل العسكرية أثبتت نجاعتها في تنفيذ أهدافها.
من هنا بدأ الجميع يدرك أن الخطر الأكبر الذي تواجهه الشعوب هو ما بات يعرف بالاستعمار الثقافي والهيمنة الحضارية، فالحلم الديمقراطي -حتى في الدول الليبرالية الكبرى- في عالم اليوم يمر بدرجة غير مسبوقة من التأزم حينما نقارن بين القيم والغايات المنشودة وبين تلك الممارسات المرصودة، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يؤكد تهلهل مصداقية هذا النظام القائم على الخداع وسياسة الكيل بمكيال واحد ألا وهو المصلحة، من هنا كانت الحرب الحضارية تكمن خطورتها في خلق الدول الاستعمارية قناعًا اجتماعيًّا تخفي به مساوئها، وتكمل به في الوقت نفسه مهمتها نحو السيطرة على عقول تلك الدول الهشة.
الفكرة من كتاب الحرب الحضارية الأولى
يتلقف العالمَ اليوم الكثير من التجاذبات والصراعات، كما يعج كذلك بالعديد من التحليلات ما بين معسكر متفائل هنا وآخر متشائم هناك، لذا يسعى هذا الكتاب إلى العودة قليلًا إلى الوراء لسبر أغوار الماضي، ومحاولة تجاوز حتمية الاصطفاف بين أحد المعسكرين، واتخاذ موقف انتقائي لتوصيف مثالب هذا النظام العالمي القائم على هيمنة الحضارات وصراعها مع بعضها بعضًا.
مؤلف كتاب الحرب الحضارية الأولى
د. المهدي محمد المنجرة: اقتصادي وعالم اجتماع مغربي مختص في الدراسات المستقبلية، يعدُّ أحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية، وُلد في الـ13 من مارس عام 1933م في الرباط في المغرب، التحق بجامعة كورنيل الأمريكية وتخصص في البيولوجيا والكيمياء، وفي عام 1954 واصل دراسته العليا بكلية لندن للاقتصاد للحصول على درجة الدكتوراه، وبعد عودته إلى المغرب عُين محاضرًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المحلية والدولية، كما التحق بالعديد من المنظمات الدولية كاليونسكو والاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية، وحصل خلال مسيرته على جوائز عالمية منها جائزة الأدب الفرنسي من جامعة كورنيل، ووسام الاستقلال من الأردن، توفي في الـ13 من يونيو من عام 2014.
من أبرز مؤلفاته: “نظام الأمم المتحدة”، و”من المهد إلى اللحد”، و”القدس العربي”.