الصبر على العقوبة

الصبر على العقوبة
قد يعجِّل الإنسان الحكم على أمر من الأمور أو مصاب من المصائب بالنفع أو الشر دون تحقُّق ذلك ويجزع لما أصابه ولا يرى فيه إلا كل سوء، أما الصحابي كعب بن مالك (رضي الله عنه) فلم يفعل ذلك، بل كان يخرج إلى السوق ويشهد الصلاة مع المسلمين وغير ذلك، وفي ذلك صبر على عقوبة الهجر التي أمر بها نبي الله (صلى الله عليه وسلم) حتى يتبيَّن أمر من تخلَّفوا عن الغزوة وإيمان بخيرية الأقدار الإلهية حتى في العقوبات، وهذا ما ينقصنا الآن، أن ننظر في المصالح الكبرى المتحصلة ولو من مصيبة ألمَّت بنا.

ولا ينحصر الصبر على العقوبة فيمن وقعت عليه وحده، فإن من الثابت أن صبر الآخرين على الالتزام بتنفيذ العقوبة على الشخص هو أيضًا من الصبر المقصود والمرجو التحلي به، ونجد ذلك في الصحابة الكرام (رضوان الله عليهم) إذ لم يخرجوا عن الأمر النبوي وهجروا كعبًا وابن الرَّبيع العَمْرِي وهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفيُّ فلم يكلموهم لخمسين ليلة، لتعاظم استجابتهم وطاعتهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) وتقديمهم الحق والدين على العواطف والمشاعر، فما أحوجنا إلى مثل ذلك الصبر في معاملتنا وفي تربيتنا للأبناء بحيث لا نضعف أمام الأحاسيس والمشاعر فنقدِّمها على الطاعات والعبادات.
لقد أعطانا كعب بن مالك (رضي الله عنه) دروسًا في الصبر على العقوبة والابتلاءات، والصبر عن المغريات بدلًا من انتهاز الفرص واستخدام الأعداء كأداة تهديد وضغط على من يعاقبنا على خطأ ارتكبناه، فلم ينتهز عرض ملك غسَّان عليه بأن يلحق بأرضه ويدع ما آلت إليه الأمور في بلاد الإسلام من هجر له، بل أدرك تمام الإدراك أنه من ابتلاء الله، وأن عليه الصبر في ذلك الموقف أيضًا.
الفكرة من كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
تشتد الأزمات والصعاب على نفس الإنسان، ولربما كان اليأس أقرب إليه من شِراك نعله مع تجذُّر الهشاشة النفسية في النفوس حاليًّا، وقد يهرب الناس من الصدق إلى الكذب فرارًا من عواقب الصدق دون اعتبار لقيمة الصدق ومحاسن عواقبه الأخرى، وقد يجد بعضهم في المصائب كل الشر وأنه ما من خير فيها قط، وبعضهم يُقعِده الخطأ عن مواصلة المسير، ولو عددنا ما يعتري الإنسان في مواجهة الصعاب لاحتاج ذلك إلى مجلدات، ولكننا في هذا الكتاب نجد تجربة عجيبة للصحابي كعب بن مالك (رضي الله عنه) حدَّث بها كيف بدأت؟ وإلى أي شيء انتهت؟ وقد نُقِلت إلينا لنستفيد منها ونتعلَّم الدروس.
مؤلف كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية بالسعودية، وشغل منصب وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم، ووكيل مركز الدعوة وعميد شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية.
ومن مؤلفاته: “مشاهدات في بلاد البخاري”، و”أعذار المتقاعسين”، و”أليس في أخلاقنا كفاية”.