الصراع والتوحش بين البشر
الصراع والتوحش بين البشر
كان الخلاف بين الأيديولوجية الرأسمالية والاشتراكية إبان الحرب الباردة أشبه بحرب أهلية بين وجهتي نظر متطرفتين، كلٌّ منهما كانت ترى تحقيق الرفاهية الاقتصادية من جانبها، فالأمر لم يكن خلافًا على مذهب اقتصادي بقدر ما كان إظهارًا لطبائع بشرية على طرفي نقيض، ومع تجذر طبيعة انقضاض البشر على غيرهم كأحد ثوابت التاريخ الإنساني سعيًا وراء المصالح الخاصة يصبح التفكير في نشأة عالم تسوده الأخلاق نوعًا من اليوتوبيا الزائفة.
فبسبب تلك المصالح المتضاربة تنامت ظاهرة التوحُّش بين البشر أنفسهم وانقضاض بعضهم على بعض، ونتيجة لذلك كانت أهم دوافع الهجمة الإمبريالية قبل الحرب العالمية هي متطلبات التنمية الاقتصادية الداخلية لدى الدول الاستعمارية العظمى، حيث وظفت مستعمراتها كبقرة حلوب يستنزفون ثرواتها ومواردها الطبيعية لخدمة اقتصاداتها المحلية، وفي نفس الوقت جعلوها سوقًا لتصريف تخمة الإنتاج التي كانت تعانيها، ونشأ تبعًا لذلك حالة من الغليان والحقد مما قوَّض أسس السلم العالمي، فالمجموعات البشرية التي تقع فريسة للأسواق ويتم إقصاؤها عن ضرورات الحياة لن تقف مكتوفة الأيدي، بل لا بدَّ أن تنقلب على مفترسيها عبر عدة أشكال من ردود الفعل بدايةً من التعصب والخروج على القانون إلى حد الإرهاب والتطرف.
وما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن المجتمع الدولي اليوم لا يملك عوامل الأمان الكافية للتعامل مع الدول المتفجرة، فضلًا عن مشكلاتها التابعة كالهجرة غير الشرعية واللاجئين والعنف المسلح وظهور الكيانات والجماعات الفوضوية التي لا تخضع لأي حكم، وما أحداث الربيع العربي عنا ببعيد، وفي خضم تلك المأساة وعجز المنظمات الدولية عن تأدية واجبها المنوط بها واستمرار حالة الإقصاء الاجتماعي المتعمَّد نتيجة استمرار قانون الغاب وتعارض المصالح الدولية، ستأتي اللحظة التي يؤدي فيها عجز الشعوب عن إرضاء حاجاتها الأساسية إلى تمزيق نسيجها المجتمعي الهش، ويصبح العالم كما لو كان يسير متعمدًا نحو الكارثة!
الفكرة من كتاب أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية
“التنمية لا تتعدَّى كونها أسطورة تساعد الدول المتخلفة على إخفاء أوضاعها التعيسة والدول المتقدمة على إراحة ضمائرها”.
من الناحية النظرية، تكمن الوظيفة الأساسية للتنمية الاقتصادية في مساعدة البلدان المأزومة على تلافي ما تعانيه من مشكلات، ولكن أظهرت تجارب الدول، باستثناء بعض النماذج القليلة الناجحة، أنها تشبه في واقعها غزوات جيوش متحاربة، فباسم التنمية تُنتهك سيادة الدول، وتُجبر على تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمى من المواطنين، وتخلِّف وراءها مساحة عريضة من خراب اقتصادي واجتماعي، لكن كيف كان هذا؟ وبأي وجه تصبح التنمية سببًا في تعريض بني البشر لمصائب لا توصف في زمننا هذا؟ ولمصلحة من يا ترى؟ إن الحصول على الجواب الشافي عن كل هذه الأسئلة هو الهدف الذي يسعى هذا الكتاب إلى تحقيقه.
مؤلف كتاب أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية
أزوالدو دو ريفرو Oswaldo de Rivero: دبلوماسي متقاعد، وُلد في 2 أغسطس 1936 في بيرو، درس القانون في جامعة كاتوليكا وحصل لاحقًا على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من أكاديميا ديبلوماتيكا في بيرو، كما أجرى دراسات عليا في المعهد العالي للدراسات الدولية، شغل منصب الممثل الدائم للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، وسفير بيرو لدى منظمة التجارة العالمية، كما شغل سابقًا في حياته المهنية عدة مناصب في لندن وموسكو وجنيف.
قام بتأليف كتب عن التنمية الدولية تُرجمت إلى عدة لغات منها: “النظام الاقتصادي الجديد وقانون التنمية الدولية”، “أسطورة التنمية: الاقتصادات غير القابلة للحياة في القرن الحادي والعشرين”، “أسطورة التنمية”.