نظرة تاريخية سريعة
نظرة تاريخية سريعة
إذا كان الحاضر يتشكَّل وفق ماضيه فينبغي إذًا الرجوع قليلًا إلى الجذور التاريخية لنقف على أبعاد النظام الاقتصادي الدولي المعاصر، وبدايةً نستطيع القول إن العالم شهد نوعًا من الاستقرار بعد سقوط نابليون وحتى قيام الحرب العالمية الأولى، حيث سادت الرأسمالية الصناعية وانتعشت التجارة الدولية واستقرت أنظمة الصرف وفق معيار الذهب، ليدخل العالم بعد الحرب مرحلة انتقالية مضطربة لم يستطِع فيها الحفاظ على استقرار ما قبل الحرب فضلًا عن أن يُرسي قواعد جديدة لنظام اقتصادي عالمي جديد.
جاءت تلك الفترة المضطربة لتقضي على كل المكتسبات التي حققتها الدول التي استفادت من الاستقرار النسبي لتبدأ في تشييد نهضتها الاقتصادية، لا سيما بعد دخول العالم مرحلة الكساد العظيم الذي استمر لعقد كامل تخبَّطت فيه الاقتصادات الرأسمالية، فانهارت فيه البورصات وسقط نظام النقد القائم على قاعدة الذهب وارتفعت فيه البطالة بصورة مخيفة وتوقفت آلة الإنتاج وخيم الركود الاقتصادي على المشهد وسارعت الدول إلى اتباع سياسات حمائية قاصية وخفض عملاتها المحلية علَّها بذلك تكسب أسواقًا أو تحرِّك المياه الراكدة.
ولكن بعد فشل سياسات التيسير الكمي التي اتبعتها الحكومات بدا أن العالم يتجه نحو كارثة! فجاءت الحرب العالمية الثانية لتكتب المشهد الأخير من تلك الحقبة المضطربة وتسدل الستار عن الأوضاع المأساوية التي حلت باقتصادات الدول في ذلك الوقت فتكوَّنت بذلك نواة النظام الاقتصادي الدولي المعاصر حيث انقسم العالم إلى معسكرين: المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من التاريخ العالمي عُرفت بالحرب الباردة بين قادة المعسكرين وانتهت بتحلُّل الاتحاد السوفييتي ونشر قيم الرأسمالية ومبادئ السوق الحرة وفق التصور الأمريكي لتعم مختلف دول العالم.
الفكرة من كتاب النظام الاقتصادي الدولي المعاصر
الاقتصاد مرآة تعكس السياسة، فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد أن يؤثر في وضعه السياسي، وقد ثار جدل أزلي بين الاقتصاديين والسياسيين فيمَنْ يقود مَنْ أو مَنْ يؤثر أكثر في الآخر، ولكن يتفق الجميع أن فَهم أبجديات الاقتصاد العالمي يعد محددًا مهمًّا للوقوف على فهم السياسة العالمية اليوم.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي سبَّبتها جائحة فيروس كوفيد 19 (كورونا)، يقدم هذا الكتاب مراجعة حية للاضطراب التاريخي الحاصل في الاقتصاد العالمي، في سياق رؤية مفصَّلة للاتجاهات الاقتصادية والتجارية والجيوبوليتيكية التي حدَّدت الأطر الحاكمة للنظام الاقتصادي العالمي اليوم بدايةً من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة.
مؤلف كتاب النظام الاقتصادي الدولي المعاصر
حازم عبد العزيز الببلاوي: كاتب وعالم اقتصاد، ولد في 17 أكتوبر 1936، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1957، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية، من جامعة جرينوبل، بفرنسا سنة 1961، ودكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، جامعة باريس، بفرنسا سنة 1964، كما شغل سابقًا منصب رئيس الوزراء في مصر، ويشغل حاليًّا منصب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي.
حصل على وسام جوقة الشرف بدرجة فارس من حكومة فرنسا سنة 1992، ووسام ليوبولد الثاني بدرجة كوماندور من حكومة بلجيكا سنة 1992.
له العديد من المؤلفات أبرزها: “الاقتصاد العربي في عصر العولمة”، و”دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي”، و”نظرات في الواقع الاقتصادي المعُاصر”، و”نظرية التجارة الدولية”.