امتلاك الخيارات
امتلاك الخيارات
إن الأسوأ من امتلاك خيارات محدودة هو انعدام ما تختار منه تمامًا، فالصين منذ بضعة عقود لم تكن تمتلك إلا القليل مما يُمكن شراؤه، وفي بلد كان سكانه ينفقون أكثر من نصف دخلهم على الغذاء كانت تلك تعد مشكلة كبيرة، فبدأت الصين تحاول حل تلك المشكلة في ظل إصلاحاتها الاشتراكية، فأخذت على عاتقها مهمة توفير منافذ لتوفير السلع الغذائية ولكن كانت كميات السلع ونصيب كل فرد يحدَّد مسبقًا، فحتى وإن كانت السلع متوافرة لا يستطيع المستهلكون الشراء إلا بكميات محددة سلفًا.
ولكن بقدوم عام 1992 بدأت تحدث ثمة إصلاحات هيكلية في ظل انتهاج الدولة نموذجًا للتنمية يرتكز على الحرية الاقتصادية للأسواق، فرفعت بذلك يدها عن مكاتب السلع التي كانت قد أقامتها وتدخَّل القطاع الخاص لإنشاء منافذه الخاصة، ولكن لم يقتصر الأمر فقط على السلع الغذائية، بل امتدَّ ليشمل المنتجات الأخرى مما فتح الطريق نحو وفرة في السلع، وأصبح الصينيون اليوم ينفقون فقط ثلث دخلهم على الغذاء في ظل تشكيلة كبيرة من المنتجات، لا سيما بعد رفع الحكومة يدها عن عمليات التسعير الجبري التي كانت تنتهجها إبان الإصلاحات الاشتراكية.
ومن المفارقات العجيبة أن الصين التي كانت تئن من الجوع منذ ثلاثة عقود قبل إجراءات الإصلاح الاقتصادي أصبحت اليوم تشكو ألم تخمة الإسراف في تناول الطعام رغم محاولات المسؤولين إثناء المستهلكين عن عادة الإسراف تلك، فبلا شك كانت تلك الظاهرة غير متوقعة وغير مرغوبة، وفي نفس الوقت ترتَّبت على إطلاق العنان للمستهلك الصيني ودفعه إلى دائرة مفرغة من الاستهلاك المتزايد، مما كان سببًا مباشرًا في تفاقم مشكلات السمنة وما صاحبها من أمراض مزمنة أدت إلى زيادة معدلات بيع الأدوية كالقلب والسكر، وغير ذلك من الأدوية.
الفكرة من كتاب على خطى الصين يسير العالم
الصين اليوم ليست هي الصين بالأمس، فتجربتها تحتوي على فوارق تاريخية دقيقة، وعلى ذلك فهذا الكتاب يوفر لنا كنزًا من المعلومات في صورة سهلة الاستيعاب ومثيرة للاهتمام حول ما أسهمت به إجراءات الإصلاح الاقتصادي من تغييرات جذرية في المعادلة المجتمعية في الصين.
مؤلف كتاب على خطى الصين يسير العالم
كارل غيرث Karl Gerth: كاتب وخبير في مجال النظم الاستهلاكية الصينية، حصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة هارفارد، ويعمل أستاذًا للدراسات الصينية في جامعة أكسفورد، كما حصل على العديد من الجوائز البحثية من مؤسسة فولبرايت الأمريكية والأكاديمية البريطانية ووزارة التعليم اليابانية، ويشغل حاليًّا منصب الرئيس المشارك لفريق الصين بمشروع ceres 21 الذي يدرس عملية التكيف الإبداعي في صناعتي السيارات والطاقة مع التغيرات المناخية في ثلاث قارات برعاية مجلس البحوث النرويجي.
له العديد من الكتب منها:
الرأسمالية التي لا تنتهي.
ثقافة المستهلك وخلق الأمة.