رغبةٌ دائمةٌ في البقاء
رغبةٌ دائمةٌ في البقاء
إن عملية التطور قابعة في كل الكائنات سواءً أكانوا بشرًا أم حيوانات أم ميكروبات، إذ نسعى جميعًا للبقاء على قيد الحياة والتكاثر والانتشار، فكما أن جيناتك قد تتوارث مرضًا قاتلًا على المدى البعيد لتحميك من موت قريب محتم، فكذلك تفعل جينات باقي الكائنات، ولذا نسمع عن سلالات الميكروبات التي تنشأ لمقاومة المضادات الحيوية، فعندما استُخدم البنسلين لأول مرة لعلاج الالتهابات عند البشر لم تكن هناك تقارير عن مقاومة العنقوديات للبنسلين، ولكن بعد ثماني سنوات فقط وفي عام 1950 أصبحت 40% من حالات العدوى العنقودية مقاومة للبنسلين، وبحلول عام 1960 ارتفعت هذه النسبة إلى 80%، وتحول العلاج من البنسلين إلى مضاد قريب منه يسمى الميثيسيلين، ومن ثم نجد تسارع تطور الميكروبات ضد المضادات الحيوية بحثًا عن البقاء والانتشار.
ولذا نرى اختلاف تأثير الميكروبات على مضيفها، باختلاف طرائق انتقالها وتكاثرها، فتارة تسعى الميكروبات لجعل مضيفها في وضع جيد ليوفر انتقالها، ولذلك لا يطرحنا البرد في الفراش، بل يجعلنا في حالة دائمة من العطس والسعال، ويوفر لنا الحركة والنهوض مما يضمن له التنقل والاستمرار، ولا يعتقد أن فيروس البرد قد يتطور أبدًا لقتلنا وإعاقتنا بشكل خطير، وذلك على خلاف ما تحدثه الملاريا إذا أصابت الإنسان، فهي تسعى لجعله غير قادرٍ على الحراك، إذ إن الملاريا تنتقل عبر البعوض، فهي لا تسعى للوصول إلى مضيفين جدد، بقدر ما تسعى لجعلنا فريسة سهلة للبعوض، مما يجعله مرضًا فتاكًا، إذ كلما زادت الطفيليات في دم المصاب، زادت الطفيليات كذلك في الدم الذي تمتصه البعوضة، مما يزيد من احتمالية حدوث العدوى عند محاولة البعوضة التغذي على دم شخص آخر، لذا فهي لا تسعى للسِّلم معنا.
ويرى الكاتب أننا وبدلًا من تحدي البكتريا لتصبح أقوى وأكثر خطورة من خلال التسلح بالمضادات الحيوية، يمكننا تحدِّيها للتوافق معنا، فمثلًا: إذا عزلنا كل مريضٍ بالملاريا عن البعوض، لن تتكاثر الملاريا، ولأن أي كائن يبحث عن التكاثر ستضطر الملاريا إلى تغيير استراتيجيتها لتسمح لمريض الملاريا بالتحرك، ليزيد من فرصة انتقاله، مما يقلل من خطره. فمن خلال فهم كيفية تطور الكائنات الحية المسببة للأمراض المعدية وكيف يؤثر تطورها في تطورنا، نكتسب رؤية جديدة حول كيفية حدوث الأمراض وتأثيرها فينا، وكيف يمكن السيطرة عليها لصالحنا.
الفكرة من كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
إن من مميزات البشر الأولى وأهمها على الإطلاق التطور، ألسنا نتطور يومًا بعد يوم، أليست في أجسادنا القدرة على الاستمرار على قيد الحياة، إذًا أليس من المفترض أن تساعد عملية التطور على تخليصنا من الصفات الضارة وتعزز الصفات الحميدة؟! فكيف تنتقل أمراض خبيثة عن طريق التوارث إلى الأجيال التالية؟ ولماذا نصاب بالأمراض التي تودي بنا أو تجعلنا طريحي الفراش؟ ولماذا توجد أمراض تنتقل عبر الوراثة كالسكري وداء الصباغ الدموي وغيرهما؟ وما عمل الجينات؟ ولماذا قد يبدو التبرع بالدم عاملًا على تخفيف الألم عند بعض الناس؟
يتأمل هذا الكتاب المرضَ بصورة مختلفة، فبدلًا من طرح سؤال ماهية المرض، نقف على سبب وجوده، فلماذا وجدت الأمراض؟ وهل يمكن لمرضٍ من الأمراض أن يكون عاملًا لبقاء الجنس البشري في زمن من الأزمنة؟
مؤلف كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
شارون مولم: طبيب وباحث في علم الوراثة، حصل على الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة تورنتو الكندية، ساهم في اكتشاف عديد من الأمراض النادرة من خلال أبحاثه المهمة، كما أنه اكتشف خطًّا جديدًا من المضادات الحيوية ضد الميكروبات المقاومة للمضادات، وحاز 25 جائزة عالمية تقديرًا لإنجازاته المتنوعة، له العديد من المؤلفات، منها:
How Sex Works: Why We Look, Smell, Taste, Feel, and Act the Way We Do
Inheritance: How Our Genes Change Our Lives—And Our Lives Change Our Genes
The Better Half: On the Genetic Superiority of Women
جوناثان برنس: كاتب وممثل أمريكي ومنتج، ولد عام 1958 وشارك في إعداد هذا الكتاب.
معلومات عن المترجمة:
رغد قاسم: كاتبة ومترجمة عراقية، حاصلة على شهادة الماجستير في العلوم الطبية، كما نالت جائزة اتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2018، ولها عديد من التراجم، منها:
هل هم أغبياء لأنهم أذكياء.
موجز تاريخ الدماغ والروح.
التمييز الجنسي والعلم.