طفولة مشحونة.. الخروج إلى العالم
طفولة مشحونة.. الخروج إلى العالم
ليست موهبة الرسم هي الشرط الأساسي لتكون رسامًا عظيمًا للرسوم المتحركة، لكن البعد النفسي والمثابرة الجبارة مكونان أساسيان لهذه المهنة، لم تكن تلك الوظيفة في اليابان تحمل هذا الزخم والشعبية كما في الوقت الحالي، ففي تلك البلاد الخارجة من ويلات الحرب التي يجذبها الاحتلال الأمريكي نحو مبادئ غربية، كانت أمنيات الطبقة المتوسطة الوظيفية هي حجز مقعد ومكتب في وظيفة ذات دخل ثابت، لكن قرر ميازاكي أن يتجاهل هذا المصير، وفي خضم جحيم الامتحانات المؤهلة لجامعات الصف الأول، كان على الدوام منشغلًا بالقصص المصورة وسياسة العالم، وقد وجدت طبيعته الحماسية منفذًا لها في الرسوم المتحركة بدلًا من ساحات القتال، هذا الاهتمام بأوضاع العالم وقواه يمكننا أن نعزوه إلى علاقة ميازاكي الوثيقة بأمه، التي أظهرت آراءها السياسية وأدارت النقاشات الحامية داخل البيت، وربما كان اهتمام ميازاكي بالسياسة هو محاولة للفوز برضاها، فهذه الصورة النسائية الفريدة سترافقنا طويلًا في أعمال ميازاكي.
وحتى بداية الستينيات لم يكن ميازاكي يرى نفسه فنان رسوم متحركة، بل كان يفضل القصص المصورة أو “المانغا”، حتى أتت فرصته الأولى في الاستوديو العريق “توي”، ليرى الحياة تنتقل إلى شخصيات الحبر وتنقل للمشاهد ما يريد قوله بفاعلية وبلاغة لا تمتلكها القصص الجامدة، كانت إدارة “توي” تطمح ليكون الاستوديو ديزني الشرق، لكن ميازاكي لن يلبث هناك طويلًا، وسيبدأ رحلته الخاصة قريبًا.
كانت ميوله اليسارية تضعه في نزاع محتدم مع الإدارات، ولم تكن فلسفته التي تضع البشر في قلب أحداث الفيلم مستساغة في ذلك الزمن، فقد كانت الأفلام اليابانية تتنوع بين تركيزها على القصة والحبكة أو اهتمامها بالمرح الطفولي، وسيجد ميازاكي في مواقفه المتمردة رفقة غير تقليدية تطمح في بيئة عمل غير هرمية والأهم أنهم مثله يبغون صنع أفلام جيدة.
الفكرة من كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
تعارف الجمهور واتفق على وضع أفلام الرسوم المتحركة بمنطقة قريبة من الهزل وبعيدة عن الواقع وجديته، إذ تسيطر عليها موضوعات يغلب عليها طابع البطولة الخيالية، ويقصد معظمها فئات عمرية بعينها، حتى أفلام الأنمي اليابانية التي اقتربت ولو قليلًا من متاعب العالم، لم تكن جدية بما يكفي ولم يكن أبطالها على ذلك القدر من التعقيد والتركيب البشري، لكن ميازاكي الذي أتى من عالم القصص المصورة و مجلات المانغا، لم يوافق على تطويع فنه وملامحه ليوافق الشاشة والجماهير، بل نقل هذا العالم المعقد والمليء بالمشاعر والسريالية إلى التليفزيون وفق رؤيته الخاصة.
وقد ظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لمخرج أفلام متحركة أن يكون مبدعًا وتتساوى أفكاره وعالمه الخيالي بمبدعي الأفلام الواقعية؟ أجاب ميازاكي على هذا السؤال حتى قبل حصوله على الأوسكار، حين مزج في عالمه الخيالي بين مشكلات الواقع وأمل البشر في مستقبل أفضل، لقد أعطى جمهوره شيئًا فقدوه ثم نسوه.
مؤلف كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
سوزان جاي نابير: معلمة ولغوية أمريكية، ولدت سوزان عام 1955 م بكامبريدج في الولايات المتحدة الأمريكية، أكملت دراستها الجامعية بجامعة هارفارد حيث أتمت دراستها العليا كذلك، عملت سوزان في جامعة لندن، ومحاضرةً زائرةً في جامعة هارفارد، من أهم أعمالها:
Anime from Akira to Howl’s Moving Castle: Experiencing Contemporary Japanese Animation
From Impressionism to Anime: Japan as Fantasy and Fan Cult in the Mind of the West
The Fantastic in Modern Japanese Literature: The Subversion of Modernity
معلومات عن المترجم:
أحمد الزبيدي: كاتب وأديب ومترجم عماني، ولد عام 1945 م بمدينة ظفار في سلطنة عمان، وعاش طفولته متنقلًا بين عديد الدول العربية بغرض الدراسة، وتوفي عام 2018 م، من أهم أعماله:
سنوات النار.
امرأة من ظفار.
ترجمة رواية عامل المناخ.
ترجمة كتاب حروب وأساطير من معركة مجدو إلى سقوط روما.