احتفاء بالبشرية.. العالم يجتمع على كوب شاي
احتفاء بالبشرية.. العالم يجتمع على كوب شاي
تعامل البشر مع الشاي كعشبة علاجية، حتى فطن الصينيون إلى قدرته المزاجية، وبدؤوا في تقديمه إلى البشرية بوصفه شرابًا ومذهبًا فلسفيًّا، نشأت “الشايّية” وتطورت في الصين كطريقة تمجد النقصان البشري وتحتفي بالحياة العادية، ليست ثورية أو إصلاحية، كما الشاي بالضبط، شراب رائق لا يتحلى بأي صفات مهيمنة كالقهوة، أو وديعة كالكاكاو، إنه نموذج واضح لوجود الجمال في تلك الأماكن التي لا نتوقعه فيها، أن تدرك ما يتوقعه المحيطون بك، وتعطيهم ما أرادوا، أن تكون “مفعمًا بالشاي” فهذا يعني أنك لا تأخذ الحياة كما هي، تستنشق رحيق الجمال مستهترًا بما دونه، أما كونك “خاليًا من الشاي” فيعني ببساطة أنك ثقيل الظل.
لا أحد يمكنه تجاهل تأثير “الشاييّة” في ثقافة اليابان، هذا الاهتمام والتركيز الذي يعده الغربيون مبالغًا فيه للغاية، ليس أغرب الأشياء التي قدستها البشرية، وكيف يشعر الغربي الهالك في لذته بعظمة البساطة في ثقافات الآخرين؟ ربما في أحسن تقدير سيعتبرها عادة غريبة أخرى من عجائب الشرق، لقد رآنا الغرب كبرابرة عندما عظمنا تفاصيلنا الصغيرة، وأثنى على تقدمنا مع بدء الحروب وانجرافنا نحو صراعات العالم، فهل ينوي الغرب أن يفهم الشرق حقًّا؟
لقد انتقلنا إلى مخيلة الرجل الأبيض كنماذج غير حية، فإما خيال عن تعصب ديني وجو صوفي، وإما صور لمتع الشرق وقصص ألف ليلة وليلة، وإذا كان الغربيون يتعجبون من الإكثار في فلسفة الشاي في الشرق، فالأحرى بالآسيويين أن يحذروا من “الخلو من الشاي” الذي يأتي مع الأفكار الغربية، ولكن الشاي كعادته تلافى هذا الصراع أيضًا، وأصبح أحد الجوانب القليلة للثقافة الشرقية التي تفوقت فيها، وتوطن الشاي في أوروبا كرسول لتلك الثقافة ومبشرًا للشايية، ربما لو أدرك الأوروبيون هذه الثقافة باكرًا لاستطاع العالم تفادي الكثير من المصائب التي كان سببها فقط، الإفراط في الجدية.
الفكرة من كتاب كتاب الشاي
لقد أصبح الشاي مشروبًا عالميًّا منذ عبوره الى أوروبا في القرن السابع عشر بوصفه شرابًا لعلية القوم، وبالنسبة إلى إنسان من عصرنا، يعد الشاي مشروبًا استهلاكيًّا مثله مثل الكولا، سواء في تجهيزه بغلي أكياسه البلاستيكية، أو بالصورة النمطية التي دأبت الميديا على تقديمه فيها، كمشارك في الجو المثالي الذي تجتمع فيه العائلة ويعبق الجو بالدفء، كل هذه الصور ربما تتعلق بالثقافة الغربية للشاي، دون الإشارة إلى قيمه الشرقية.
في هذا الكتاب لم يهتم المؤلف بالشاي من الناحية التقنية، كما اعتاد العصر الحديث أن يركز عليه، لكن يحاول إعادة تقديم فلسفة حضارته التي شوهتها النماذج، عبر إعادة إحياء واستعادة هذا العامل الذي خُفف للغاية حين أصبح مشتركًا.
مؤلف كتاب كتاب الشاي
أوكاكورا كاكوزو: ولد في يوكوهاما عام 1862 م، في عائلة من الساموراي، درس في جامعة طوكيو، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمل قيمًا على القسم الياباني في متحف بوسطن للفنون الجميلة، وتوفي عام 1913 م.
معلومات عن المترجم:
سامر أبو هواش: كاتب وشاعر ومترجم فلسطيني، ولد في صيدا بجنوب لبنان عام 1972 م لعائلة فلسطينية، درس الصحافة في كلية الإعلام بجامعة لبنان، وعمل في العديد من المجلات الثقافية اللبنانية، ترجم العديد من الأعمال الهامة ومنها:
اختراع العزلة، بول أوستر.
الحب كلب من الجحيم، تشارلز بوكوفسكي.
33 استراتيجية للحرب، روبرت غرين.
أكثر من طريقة لائقة للغرق، سيلفيا بلاث.