نظرة إلى التاريخ
نظرة إلى التاريخ
لقد فُطر الإنسان على حب وجوده وعلى حب سلامة وجوده، فالكل يسعى إلى جلب ما يظن أن فيه منفعة راجحة له، وكذلك يسعى إلى دفع ما يظن أن فيه ضررًا عليه أو شقاوة، والصحة رأس ذلك كله، فلا طعم للحياة ولا لون ولا رائحة كما يقولون ولو جُمعت ملذاتها كلها تحت قدمَي الإنسان وهو معتل أو يعاني لا يستطيع الاستمتاع بها، لذا عُرف اهتمام الإنسان الأول بصحته؛ نظر حوله فوجد الأعشاب والنباتات فاستعملها في التداوي، وبدأ يفكر ويختبر ويجرب على مر الحضارات والعصور، فهذا العصر الفرعوني خرّج لنا الطبيب “إمْحُوتِب”،
وهذا العصر الإغريقي خرّج لنا “أبوقْراط” الذي برع في التشخيص السريري، وعمل على تحطيم خرافات كثيرة كانت متعلقة بالطب آنذاك، ولكن مع الأسف سلسلة الإنجازات هذه ستنقطع بظهور المسيحية، بل وللدقة بظهور الفهم الخطأ لتعاليم المسيحية وتحريفها، إذ ظنوا أنه لا يمكن الجمع بين طهارة الروح والجسد، حتى جاء الإسلام، آمرًا بالنظافة مشرعًا للطهارة حاثًّا على الرياضة البدنية والقوة الجسدية جامعًا بين ما لم تستطع تحريفات الكنيسة الجمع بينهما (الجسد والروح).
ومما ساعد المسلمين على الخروج بالطب إلى النور مرة أخرى، الفتوحاتُ الإسلامية والاتصالُ بالخارج والاستفادةُ من الموروث والمشترك البشري، حتى بدأ التأليف الإسلامي في منتصف القرن الرابع الهجري، ليخرج لنا الطبيب أبو بكر الرازي، وأبو القاسم الزَّهْرَاوي، اللذان استفاد من مؤلفاتهما الغرب بعد ذلك، وإن لم ينسبوا الفضل إلى أهله كعادتهم!
ثم عاد الطب مرة أخرى ودخل في طور انتكاسة جديدة مع بداية التفكك الذي تسرب إلى العالم الإسلامي حتى وقت النهضة الصناعية في أوربا، التي تسببت في حركة إصلاح ونهضة طبية مرة أخرى، جاءت نتيجةً لما صاحَب ذلك العصر من استغلال لكل الطاقات البشرية في سبيل النهضة حتى الأطفال، مما أدى إلى تدني المستوى المعيشي والصحي والاجتماعي للطبقات العاملة، لدرجة أن يموت من بين كل طفلين في أوربا طفل واحد بالسل أو الكوليرا قبل سن البلوغ حتى!
ومع تطور الصناعة بدأ الطب ينتعش من جديد، لتخرج المكتشَفات الطبية وتُستحدث الأجهزة ولقاحات الأمراض وأدوات التعقيم والبحوث العلمية والبرامج التوعوية وخصوصًا تلك المتعلقة بالثقافة الصحية العامة.
الفكرة من كتاب مدخل إلى الصحة العامة
كلما تقدم الإنسان حضاريًّا دفع ضريبة ذلك التقدم، إما من ماله وإما من صحته وإما منهما معًا، وقد تكون الصحة في ذيل قائمة أولوياته من غير أن يشعر، فوفرة المطاعم السريعة والمصانع العاملة والحياة المترفة جلبت معها فواتير باهظة يدفعها الإنسان على عتبات المستشفيات ومراكز التغذية والأندية الرياضية، والعاقل من اتبع منهج الوقاية قبل العلاج.
مؤلف كتاب مدخل إلى الصحة العامة
زهير أحمد السباعي: أستاذ طب الأسرة والمجتمع، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1963م، وعلى دبلوم طب المناطق الحارة من معهد “برنارد نوخت” لطب المناطق الحارة بهامبورغ في ألمانيا عام 1965م، كما حصل على ماجستير في الصحة العامة من جامعة “جونز هوبكنز” بالتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1966م، وكذلك الدكتوراه في الصحة العامة من جامعة جونز هوبكنز عام 1969م، وله مؤلفات عدة في هذا الباب منها:
الطبيب: أدبه وفقهه.
تعليم الطب باللغة العربية.
الرعاية الصحية: نظرة مستقبلية.