العنف في طابعه الكوني
العنف في طابعه الكوني
تشكّلت أمريكا بعد العديد من شعائر الإبادة التي مورست على الهنود الحمر في الداخل، والزنوج الذين تم جلبهم من الخارج لاستغلال أجسادهم في السخرية والمتعة، ثم اكتمل المشهد حينما طُرد الإسبان والإنجليز والفرنسيون، ليس لإعلان استقلال الهنود الحمر بل لتحويل الغازي إلى مستعمر، والمستعمر إلى أصلاني وممثل له.
طُرِد الأوروبيون وبقيت أصولهم في أمريكا، فتمرد الابن الأمريكي على الأب الأورُبي واعتلى التاريخ، ولأنه ما زال يعاني فوضى القوميات في العمق، سعى لهدم البنى القومية ذات الحضور، وحاول الحلول محلها من خلال انتقامه الشديد من الأب، ورغم إيمانه بحاجة كل منهما إلى الآخر فإنه لا يجد حرجًا من إظهار كراهيته له.
هنا يمكن الاستدلال على أن الحدث المتشكل كان أمريكيًّا مشحونًا بالعنف منذ القدم، ولكنه العنف الذي تخطى حدود التاريخ والجغرافيا، تمامًا مثل الإرهاب، إذ تكونت تلك المفردة مؤخرًا لتكتسب طابعًا كونيًّا يمكن أن يتم إلصاقه بأي شخص في أي مكان في العالم، ولم يعد بالإمكان التواري عن الأنظار أو الاختباء، لأن تلك المفردة استغلت سحرها في بث الرعب والخوف لتقنع البشر بضرورة الاتحاد، باعتبار أن مصيرهما الكوني مشترك، وإطلاق العنان للإرهاب يعني تهديدًا مباشرًا لموت التاريخ الإنساني بأكمله في نهاية مأساوية تجل عن الوصف والعزاء.
تطور العنف الممارَس في العالم إلى حد مخيف، سواء من أولئك الذين يمارسون القتل والاغتيالات والتفجيرات بدعوى محاربة الإرهاب ويتبرعون بإعطاء تقييمات لكل فكر أو جماعة، أم من الضعفاء الذين لا يجدون سبيلًا للتعبير عن وجودهم إلا من خلال التصفيات والأعمال الانتحارية، ولعل هذا هو الوجه الأسوأ للعولمة، إذ تحول عالمنا إلى مستنقع دموي يستحيل العيش فيه.
الفكرة من كتاب عنف العالم
للمرة الأولى تمكن العالم من رسم صورة تضمنت كل ثقافاته وتاريخه وجنسياته ولغاته، كان ذلك عندما وُضع العنف إطارًا لتلك الصورة، فتوحد العالم عبر العنف، ليصبح العنف سيدًا للموقف ومتنًا لكتاب التاريخ الإنساني، وما سواه يعد هامشًا لا قيمة له.
هذا الكتاب يضم آراء كاتبيه عن أسئلة وجهت إليهما في معهد العالم العربي بباريس جراء أحداث 11 سبتمبر 2001م، نشرته دار Felin عام 2003م، ونُقل إلى العربية عام 2005م عن طريق دار الحوار بسوريا، فقدمه وعلق عليه: إبراهيم محمود.
مؤلف كتاب عنف العالم
إدغار موران: ولد عام 1921م، وهو أحد الفلاسفة وعلماء الاجتماع في فرنسا، ومدير فخري للأبحاث بالمركز الوطني للأبحاث العلمية، وصاحب نظرية التعقيد واستراتيجية الفكر المركب، وأحد المنظرين للمقاربة العبرمناهجية، ويعتبر من أهم المحللين للفكر المعاصر ولتاريخ الثقافة الأوربية والعالمية.
حاز جوائز عدة، من بينها الدكتوراه الفخرية في عديد من جامعات دول العالم وجائزة شارل فايون للكتاب. وله عديد من المؤلفات منها:
ثقافة أوروبا وبربريتها.
هل نسير إلى الهاوية.
الفكر والمستقبل مدخل إلى الفكر المركب.
جان بودريار: وُلد عام 1929م، هو فيلسوف فرنسي وعالم اجتماع وعالم اجتماع ثقافي، يشتهر بتحليلاته المتعلقة بوسائط الاتصال والثقافة المعاصرة والاتصالات التكنولوجية، بالإضافة إلى استنباطه مبادئ مثل المحاكاة والواقع المفرط.
له مؤلفات عدة، منها:
أمريكا.
حرب الخليج لم تحدث.
الجريمة الكاملة.
معلومات عن المترجم:
عزيز توما: مترجم عمل في عدد من دور النشر السورية، مثل دار الحوار ودار الينابيع، وترجم كتبًا عدة منها:
أحادية لغة الآخر.
انفعالات.
الإقامة في السعادة.