الشعبوية كبطل مخلِّص
الشعبوية كبطل مخلِّص
إن أحد الأمور التي تُميِّز الحركات الشعبوية هو مناهضة “مؤسسة الحكم” والعمل على التخلُّص منها، ولا تتعلق المناهضة لمؤسسة الحكم بنخبة اجتماعية اقتصادية، كما أنها لا تقوم على أساس طبقي أو مالي، ومما يؤكد ذلك شخصية “دونالد ترمب” فهو من النخبة الاقتصادية ومع ذلك كان مقبولًا بالنسبة إلى الناخبين، فالناخبون الذي انتخبوا ترامب كانوا يريدون شخصًا ناجحًا وفي الوقت نفسه مؤمنًا بقيمهم، ومن ثمَّ فأن تكون من الشعب لا يعني أن تكون نقيًّا أخلاقيًّا ومعصومًا من الخطأ أو الفساد على المستوى الشخصي، فدونالد ترامب استغل الثغرات الضريبية لتجنب دفع الضرائب، ومن ثم تنحصر اللا أخلاقية عند الشعبوية في ممارسة السلطة السياسية، لذلك يُعد المواطنون العاديون أخلاقيين بسبب أنهم لا يمارسون سلطة سياسية، ولا يحكمون نيابة عن الشعب، ومن ثمَّ فإن منطق الشعبوية يقوم على الأخلاقية السياسية لا الشخصية.
تقوم الحركات الشعبوية بالمنافسة على مقاعد البرلمانات للحصول على الأغلبية، ومع ذلك فهي ليست أحزابًا راسخة، فرغم انتقادها للديمقراطية الحزبية فإنها تشكل الأحزاب، ورغم انتقادها للديمقراطية التمثيلية، فهي لا تشجع الديمقراطية المباشرة، بل تقوم على إقامة نهج جديد من التمثيل يقوم على إنشاء علاقة مباشرة توحِّد الشعب بزعيمه، وبناءً على ذلك فإن الشعبوية تنشأ في بادئ الأمر كحزب في الظاهر، لكن طموحها الخفي هو العمل على دمج أكبر عدد من المواطنين فيها حتي تصبح الشعبوية هي الحزب الوحيد للشعب، ومن ثمَّ تدمر الأحزاب الأخرى، لذلك تُعد الشعبوية ديمقراطية من دون أحزاب.
كما أن هجوم الشعبوية على من تسميهم “أعداء الشعب” مبني على أن هناك جماعتين تستبعد كل واحدة الأخرى، جماعة تتمتع “بالنزاهة الأخلاقية”، وجماعة أخرى “فاسدة وغير أخلاقية”، تلك الثنائية تشير إلى أن هناك جزءًا واحدًا فقط هو الجزء الصالح، وما عداه فاسد، ومن ثمَّ فإن السياسة الشعبوية سياسة إقصائية بشكل جذري، لذلك عندما تكون الشعبوية في “المعارضة” فإنها تسعى لتحقيق هدفين، الأول هو إسقاط الطبقة السياسية المسيطرة على مؤسسة الحكم، والثاني هو استخدام الدولة لترسيخ نفسها كشعب أو أمة، ومن ثمَّ فإن هدف الزعماء الشعبويين هو إحضار السياسة إلى الشعب وإحضار الشعب إلى السياسة، لذلك دائمًا ما يدَّعي الزعماء الشعبويون أن دولهم ليست ديمقراطية لأنهم محكومون من جانب الأحزاب وليس الشعب، ومن ثم تقوم حملاتهم على تدمير النخبة باسم الديمقراطية الأصلية، معتمدين في ذلك على السياسات الفئوية لا الحزبية، متهمة الأحزاب القائمة بأنها تُخضع الشعب لنخب الأحزاب، وبناءً على ذلك يتشكَّل ثلاثة فاعلين هم: الشعب (الضحية البريئة)، والطبقة السياسية (المارق الخبيث)، والشعبويون (البطل المخلِّص).
الفكرة من كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
تتحدث المؤلفة عن الشعبوية وتكشف أنها ظاهرة قديمة وليست حديثة، إلا أن ما يُميزها اليوم عن الأمس أنها أصبحت متفشية في جميع البلدان بما فيها البلدان الديمقراطية، وتُبين أن الشعبوية في صورتها الحالية تُعد واحدة من أنماط الحكم التمثيلي المشوّه، الذي يهدف إلى إحلال الديمقراطية الشعبوية بوصفها تجسيدًا للشعب محل الديمقراطية الحزبية بوصفها تفويضًا من الشعب، ومن ثمَّ توضِّح أن الشعبوية عبارة عن علاقة مباشرة بين الزعيم الشعبوي والشعب الصالح دون أي وسطاء كالأحزاب، وأنها تظهر نتيجة تآكل الأحزاب السياسية التقليدية، كما استعرضت الدور الذي يقوم به الزعماء الشعبويون في المعارضة وبعد الوصول إلى السلطة من أجل الحفاظ على مكانتهم بين جمهور المتلقين.
مؤلف كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
ناديا أوربيناتي : هي أستاذة كرسي للنظرية السياسية في جامعة كولومبيا، من كتبها:
Mill on Democracy.
معلومات عن المترجم:
عماد شيحة: هو كاتب ومترجم وروائي سوري، تخرج في كلية العلوم بجامعة دمشق، كما حصل على درجة الليسانس من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، من أعماله:
رواية “موت مشتهى”.
رواية “غبار الطلع”.
من ترجماته:
صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط.
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.