تواصل مع مشاعرك
تواصل مع مشاعرك
يعرض فرويد موقفه موضِّحًا ماهية الإنكار: “إن الادعاء كله -بأن الحلم لم يكن شيئًا آخر- يُذكِّرنا جيدًا بالدافع الذي استخدمه الرجل الذي اتهمه أحد جيرانه بأنه أرجع إليه الغلاية التي كان قد استعارها منه بحالة تالفة، فأكَّد المدافع أولًا: أنه أرجعها سليمة لا ضرر بها، وثانيًا: قال إنه كان بها ثقب عندما استعارها، وثالثًا: قال إنه لم يقم على الإطلاق باستعارة غلاية من جاره طيلة حياته”، يجد الكثير صعوبة في الإقرار بمشاعرهم الحقيقية، ويقرِّرون إنكارها، لذا يبذلون جهدًا عقليًّا في الادعاء حتى يسبِّب لهم ضعفًا جسديًّا ونفسيًّا، ومع الوقت يفقدون الإحساس بمشاعرهم الحقيقية، ويبعدهم عن رابط الحياة، ويصل بهم الأمر إلى ادعاء أشياء لم تحدث، أو يدافعون عن أنفسهم بطرق إنكارية للمواقف، وذلك بسبب الخوف من الخزي أو العقاب أو خوفًا من عدم قدرتهم على تحمُّل حقائق ما مؤلمة قد تسبِّب لهم انهيارًا نفسيًّا.
ما يؤلم في حالة الإنكار أنها تكون بدافع أن يكمل الإنسان مسار يومه لأنه يريد الهروب مما يؤلمه، وقد عدَّدَ ستان كوهين حالة الإنكار إلى ثلاث: (الإنكار الحرفي، والتفسيري، والتبريري)، وتحصل حالة الإنكار للحالات التالية: مُصابي السرطان، والأشخاص الذين يفقدون أحباءهم أو أقاربهم بالموت أو الفراق، ومُصابي الصدمة، والأفعال المُخجلة، وكما يقول الكاتب: “فقد يكون الإنكار مفيدًا لبعض الوقت، ولكنه قد يكون مرضيًّا إذا استمر إلى الأبد”، مشاعر الإنكار تزداد في الظلام، لذا عليك إخراجها إلى النور عن طريق الوعي، ومحاولة التواصل مع مشاعرك حتى تحيا حياة متوازنة نفسيًّا.
الوعي بمشاعرك يضعك أمام حل مباشر، وهو التواصل معها بالكلمات، لذا فاللغة مهمة في التعبير عما بداخلك، وإذا كانت لغة التعبير عندك هي الغضب ومهما كان دافعك فعليك السيطرة على هذه المشاعر، والتعامل معها بإيجابية أكثر، وعدم شعورك تجاه ما حدث لك من أذى ليس لأنك تخطَّيت الأذى، بل لأنك غمست مشاعرك في الظلام، ولم تتعامل معها لتفهم شعورك، الشعور الحقيقي يكون منتبهًا يقظًا لما يحدث له وتستطيع التعبير عنه.
الفكرة من كتاب المشاعر
ما الفرق بين الحي والميت؟ وبين الإنسان والجماد؟ هل على الإنسان أن يسرد تفاصيل منطقية كبيرة كي يذكر الفرق بينه وبين أي (جماد) في العالم؟ الجماد -هذا الشيء- لا نهتم بإطعامه ولا بحزنه ولا حتى عما يفرحه ببساطة لأنه شيء، أي ليس له جسد وروح، والفارق المهم أنه ليس لديه مشاعر، فالإنسان البشري لديه جعبة كبيرة من المشاعر الإنسانية التي تفرِّقه عن بقية الأشياء في العالم، فالإنسان يفرح ويحزن ويجوع ويتألم ويريد ويمتنع، هذه المشاعر هي الفلسفة التي شغلت كثيرًا من علماء النفس حول ماهيتها، لذا في كتابنا هذا “المشاعر” يأخذنا فروش إلى فلسفته حول ماهية المشاعر، وبم نشعر، وكيف نشعر، وهل نحن بالفعل مُتصلون بمشاعرنا ونستطيع التعبير عنها؟
مؤلف كتاب المشاعر
ستيفن فروش: أستاذ علم النفس ورئيس قسم الدراسات النفسية والاجتماعية في جامعة بيركبيك بلندن، وعمل سابقًا استشاري علم نفس إكلينيكي، وهو مؤلف للعديد من الكتب والأوراق حول الدراسات النفسية والتحليل النفسي، بما في ذلك أحدثها “أولئك الذين سيأتون بعد: ما بعد الذاكرة”، و”الإقرار والتسامح”.
ولديه كتب عديدة، منها:
Critical Narrative Analysis in Psychology: A Guide to Practice
Hate and the ‘Jewish Science’: Anti-Semitism, Nazism and Psychoanalysis
معلومات عن المُترجم:
الدكتور عبد الله عسكر: أستاذ علم النفس والتحليل النفسي بكلية الآداب، جامعة الزقازيق، نشر أكثر من ثلاثين بحثًا في ميدان علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي وأكثر من عشرة كتب متنوعة، وعمل استشاريًّا للصحة النفسية ورئيسًا لأقسام التأهيل بمستشفيات الأمل بالسعودية، وعضو لجنة علم النفس بالمجلس الأعلى للثقافة.