العلاقات الشخصية والحميمية في العصر الرقمي
العلاقات الشخصية والحميمية في العصر الرقمي
لا يختلف اثنان على أن تعرُّض الأفراد للمحتويات التي تقدمها وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة تؤثر بنحو خفي في جزء كبير من الأفعال الاجتماعية والمعتقدات وتقيدها، وانقسم العلماء في هذا الصدد إلى قسمين، القسم الأول: “متفائل” يجد أن العلاقات الشخصية تتحول إلى مشاريع أكثر عمقًا، وتنطوي على قدرٍ كبير من التعاون والديمقراطية، وذلك لأن الأشخاص يسعون إلى الاحتماء بالحميمية في هذه العوالم الرقمية المتغيرة بوتيرة سريعة، والقسم الثاني: “متشائم” يرى أن قوى التغيير السريع تعمل على تآكل العلاقات الشخصية، فتكون الحميمية على أثر ذلك مبتذلة وتافهة وهشّة للغاية، وقد أشارت الأدلة الجديدة بشأن تأثير الإنترنت في موضوع الجنس عبر الفضاء الإلكتروني إلى أن هناك تراجعًا محتملًا لممارسة الجنس عبر التلامس الجسدي، ما يعني اكتساب الجسد أبعادًا جديدة، وأن الذات البشرية أصبحت تتجاهل العلاقات الشخصية وجهًا لوجه، ولم تعد تعتبرها ضرورات وجودية.
إن العلاقات الشخصية المبنية على التفاعل وجهًا لوجه تحتل مكانة متميزة، لأنها تُشعر الذات بالفعل والاستقلالية، كما أن التفاعل الجسدي والعاطفي في مرحلة الطفولة يعمل على رفاهية الأطفال ويحافظ على أمنهم الوجودي القائم على الإحساس بالذات والثقة واستمرارية وجود المرء في العالم، ومن ثمَّ نجد أن الأشخاص الذين افتقروا إلى واحدة أو أكثر من العلاقات المبنية على التواصل الجسدي والرعاية المصحوبة بالاهتمام يُعانون على المدى الطويل، وبناءً على ذلك فإن ظهور الإنترنت والوسائط الرقمية كشف عن نوع من العلاقات التي يطلق عليها “الفردية الشبكية”، ويُشير المصطلح إلى حدوث تحوّل تاريخي من خلال الانتقال من الولاءات والعلاقات الطويلة المدى بين العائلة والأصدقاء إلى علاقات قصيرة المدى وضعيفة وهشة، ومن ثمَّ تحول تركيز النمو الفردي والاجتماعي بعيدًا عن الروابط القوية وتوجه نحو الروابط الضعيفة.
كما أن العلاقات الحميمية الرقمية أصبحت تعتمد على رغبة أطرافها في الاستمرار بسبب المتعة المتولدة منها، ولا تعطي أي أفضلية للتعايش المادي وجهًا لوجه، ومن ثم فهي علاقة في جوهرها تتصف بأنها حميمية الذات وليست حميمية الجسد، رغم أنها يمكن أن تُعزز من خلال الحميمية الجسدية عندما تستمر العلاقة عبر توليد شعور عابر من الحميمية بين الغرباء فترات طويلة، فهي في الأغلب تتخذ شكل الصداقة خارج الإنترنت، وبناءً على ذلك نجد أن الاتصال الجسدي الذي يتطلب الوجود المشترك الذي يعبر عن أنواع متعددة من التعبير عن الحميمية كالعناق أو اللمسات لم تعد موجودة، ومن ثم فإن العلاقات الشخصية والحميمية مع شخص غير مرئي تنطوي على قدر أكبر من المشكلات، وتشوبها عيوب واضحة مقارنة بالعلاقات المباشرة.
الفكرة من كتاب علم الاجتماع الرقمي
يستعرض مُحررا الكتاب مجموعة من الأمور الخاصة بعلاقة علم الاجتماع بالتكنولوجيا في العصر الرقمي، بدءًا بالذوات الإلكترونية والعلاقات الشخصية والحميمية على الإنترنت، مرورًا بأنماط اللا مساواة الرقمية، وفُرص التعليم الرقمي وتأثيره في التعليم التقليدي، وكذلك الصحة الرقمية من خلال علاقة المرضى بالمهنيين الطبيين، وأخيرًا التقارير الإخبارية والإعلامية في أوقات الحروب.
مؤلف كتاب علم الاجتماع الرقمي
كيت أورتون جونسون: هي محاضرة في علم الاجتماع بجامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة.
نيك بريور: هو محاضر أوّل في علم الاجتماع بجامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة.
معلومات عن المترجم:
هاني خميس أحمد عبده: هو أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، ووكيل الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث، تخرج في كلية الآداب قسم علم الاجتماع، وحصل على درجة الماجستير في علم الاجتماع، كما حصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، ومن ترجماته:
تخفيض معدلات الفقر والعنف ضد المرأة.
علم اجتماع النوع.
علم الاجتماع الرقمي.