رجال صدقوا
رجال صدقوا
إن أوَّل وأعظم صدق هو الصدق مع الله (عز وجل)، إنه الصدق الذي يُهوِّن على العبد كل شيء، يُيسِّر عليه كل شيء، يُفتح له من باب، وقد سجَّل لنا القُرآن مواقف هؤلاء الصادقين ليبقى ذكرهم إلى يوم القيامة، إنه تخليد لهؤلاء الرجال، يقول تعالى: ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا﴾، فقد نزلت في بعض الرجال من الصحابة (رضوان الله عليهم) الذين نذروا بالثبات والقتال مع رسول (صلى الله عليه وسلم) حتى يستشهدوا، وقد تعدَّدت الروايات في تحديدهم، فمنهم: طلحة بن عُبيد الله، عثمان بن عفَّان، وأنس بن النضر، وغيرهم (رضوان الله عليهم).
فكان أنس بن النضر (رضي الله عنه) لم يحضر بدرًا، فشقَّ عليه ذلك، فقال: “لَئِنْ أشْهَدَنِي اللَّهُ مع النبيِّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم) لَيَرَيَنَّ اللَّهُ ما أَصنع”، فحينما جاء يوم أُحد وفرَّ من فرَّ، تقدَّم بسيفه، فاستقبله سعد بن مُعاذ (رضي الله عنه) فسأله: يا أبا عمرو أين؟ فقال: واهًا لرِيحَ الجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ”، فقاتل حتى قُتل، ووُجِد في جسده بضعٌ وثمانون ضربة وطعنة ورمية، وما عرفته أخته (رضي الله عنه) إلا ببنانه.
إن حدَّ الصدق حين يصل إلى عُمق الله لا يرى إلا الحق، لا يرى إلا رضوان الله (عز وجل)، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا، ففي قوله تعالى: “رجال صدقوا” هو أن حقيقة الرجولية؛ الصدق، ومن لم يدخل في ميادين الصدق فقد خرج من حد الرجولية.
الفكرة من كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
خلال التغيُّرات الثقافية التي تتعرَّض لها المجتمعات تبرُز قيم وتختفي أُخرى، وقد يكون من تلك القيم التي بدأت في الاندثار قيم لا تصلح المجتمعات إلا بها؛ قيم مركزية لها أصالتها ووزنها الحقيقي في السواء المجتمعي وصلاحه.
ومن بين تلك المعالم والأخلاق الإسلامية؛ الرجولية، هذه الصفة الجامعة لمعاني العزَّة والاحترام والأداء العميق للواجبات وتحمُّل أعباء الحياة، هذه الصفة التي لا يكون بها صلاح الفرد والمجتمع فحسب، بل تكون بها عزَّته، وصار ذا منعة وبأس، لذا كان لا بد أن نُعيد فهمنا لهذه الخصلة العظيمة، لنُعيد إحياءها بشكل بارز في مجتمعاتنا الإسلامية.
في كتابنا يُقدِّم لنا بحثًا شاملًا عن معاني الرجولة في القرآن الكريم، وذلك بتتبُّعه للآيات التي ذُكر فيها كلمة “رجل” وما يتصل بها، ليُقدِّم لنا نتيجة بحثه في معاني الرجولة في القرآن الكريم.
مؤلف كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
عبدالكريم صالح: وُلد عام 1956م بمصر، يعمل حاليًّا أستاذ التفسير وعلوم القُرآن بكلية القرآن الكريم ورئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر، له عدد من البحوث والمؤلفات منها:
إشراقات في توجيه ومعاني القراءات.
مناسبة أوائل السور بأواخرها.
يوم الفرقان في ضوء القرآن.