المستبدُّ كيف يختار حاشيته؟
المستبدُّ كيف يختار حاشيته؟
إن تعريف المَجد هو إحراز الحب والاحترام في القلوب وهو مطلب طبيعي شريف، أما المتمجد هو الذي يتقرب من المستبد ويتودد له بأقواله وأفعاله لينال مكانة لا يستحقها، وكذلك المستبد فإنه يتخذ أولئك لخداع الأمة باسم خدمة الدين أو حب الوطن، فينال هو الآخر مكانة لا يستحقها.
ولذلك الهدف -ؤ- لا يستغني المستبد عن بعض الأفراد ضعاف القلوب (المتمجدين) الذين ليس لهم من الأمر في شيء، وهو لا يستعملهم في مهامه الخاصة لعدم الثقة بهم، وحتى لا يظنُّ العامة أنه يستخدم هؤلاء البلهاء في مثل هذه الأمور الحيوية، ولكنه يحتاج من حوله كحاشية توطد ملكه وسلطانه.
كذلك في المقابل فإنه يجرب أحيانًا بعض العقلاء الأذكياء ظنًا منه أنه يقوى على تشكيل طينتهم فيكونوا له أعوانًا، فإذا خاب في إفسادهم فإنه يبادر بإبعادهم وينكّل بهم، ولهذا لا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز الذي يعبده دون الله.
والمستبد في لحظة جلوسه على عرشه يرى نفسه أنه كان إنسانًا فصار إلهًا ثم يتفاجأ أنه أعجز من كل عاجز، وأنه ما نال ما نال إلا بواسطة أعوانه الفسدة، فيرجع إليهم مرة أخرى، يحارب بهم العبيد العقلاء، وبهذا يدوم له الملك ويمكّن نفسه وسلطانه متفردًا.
الفكرة من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
إن الاستبداد هو أصل كل الشرور والأمراض الاجتماعية، فالاستبداد يدمّر الأخلاق ويبعد العوام عن التدين الحقيقي ويُغلّب التدين الظاهري، وكذلك يحارب على جعلهم جهلاء لا يعلمون شيئًا ولا يتعلمون، ويخلق أيضًا فجوة اقتصادية بين طبقات المجتمع بل ويساعد على تكديس الثروات في أيدي الأغنياء فقط، ويجعل الفقراء أكثر فقرًا، كما أنه يمثل العائق الرئيسي أمام التربية السليمة للأبناء على القيم والمُثُل العُليا، ويقدّم الكاتب مجموعة من الحلول العملية للخلاص من الاستبداد واستبداله بأنظمة عادلة.
مؤلف كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي، وُلِد في التاسع من يوليو عام ١٨٥٥، في حلب بسوريا، وهو مفكّر مُصلح بدأ حياته بالعمل في الصحافة داعيًا للإصلاح والقومية العربية، فتعرض لكثير من المتاعب من قِبَل الدولة العثمانية، فسُجن عدة مرات وعاش شريدًا يطوف العالم العربي داعيًا إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وتجديد الدين، له كتابان مشهوران طبائع الاستبداد أشهرهما، توفّي في الثالث عشر من يونيو عام ١٩٠٢ بالقاهرة.