عناصر بارزة
عناصر بارزة
في الصفحات الأولى ابتدأ الكاتب حديثًا تعريفيًّا عن الشخصيات المشاركة في مسرحنا، بعيدًا عن التحليل الرياضي والسرد التقريري للأدوار، لكنه تقديم أدبي يهيئك لاستشعار أدق التفاصيل وتكوين صورة واضحة عن كل شيء حولك، فأشار إلى اللاعب والحارس والمشجع والمتعصب والهاوي، ولم يغفل الكرة والاستاد الذي عدَّه ذاكرة حية تشهد كل المحافل، كذلك المدرب والمدير الفني والصحافة وغيرهم من العناصر التي تستقيم بها اللعبة.
مؤكد أن صافرة البداية من نصيب اللاعب، الشخص الذي لعب للمرة الأولى بهدف الاستمتاع وإمضاء الوقت مع رفاقه في الحي ثم انتهى به الأمر مجبرًا على اللعب للربح أو الربح، ليصبح محط حسد أبناء حارته، وحديث الصحافة، وحلم الشباب، والحقيقة أنه مأسور في معسكرات تدريب قاسية تضيق الخناق عليه كلما أحرز هدفًا جديدًا، وهكذا يقضي عمره تحت تحكُّم رجال الأعمال والصفقات، دون أن يضمن مكانًا أكيدًا في اللعبة التي تحولت إلى عمل وواجب، فإصابة واحدة قد تهوي به من علياء مجده إلى هوة تنتهي فيها مسيرته كشيخ لم يبلغ الثلاثين.
وبالنظر إلى حارس المرمى فهو المذنب الأول في لعبتنا المتحمل لأخطاء زملائه، فلو افترضنا أن لاعبًا ما قد أخطأ فمن مراوغة أو لعبة محبوكة سيستعيد مكانته في نفوس الجمهور، أما الحارس فبخطأ منه تدمر بطولة ولا تغفر له الزلة.
أما عنصرنا المحرك للأحداث فهي الكرة التي خاضت عقودًا من التغيير، فابتكرها الصينيون من الجلد وحشوها بالقنب، وصنعها المصريون في زمن الفراعنة من القش أو من قشور الحبوب، ولفوھا بأقمشة ملونة، أما الإغريق والرومان فاستخدموا مثانة جاموس منفوخة ومخيطة، واستخدم الأوروبيون شعر أعراف الخيل في كراتهم، وفي أمريكا كانت الكرة المشغولة من المطاط على يد المخترع تشارلز جوديير، ثم تطورت على يد ثلاثة أرجنتينيين، وأخذت تستمر تطوُّرًا حتى وصلت إلى شكلها الحالي.
الفكرة من كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
بعيدًا عن أحاديث المهووسين بالكرة، وعن نمطية الكتب الرياضية، يطل علينا غاليانو بأسلوبه الفريد ليرينا اللعبة من منظور أدبي مختلف، يأسرك مع المعاناة ويحررك مع الفرحة، لتتفاعل مع تبعات لم تتخيل مطلقًا أن الكرة هي محركها الأول.
هنا ستدرك الوجه الآخر لكرة القدم، ذلك الوجه المشتمل على مشاعر متضاربة، وحقائق مجهولة، والمرتبط بأبعاد سياسية واقتصادية وتحولات تاريخية لم يسبق لنا تصوُّرها، ببساطة لا يشترط هذا الكتاب اهتمامًا سابقًا بالكرة ولا إدراكًا لشروطها كي تشاركه رحلته الحزينة من المتعة إلى الواجب، ومن هواية تسلي البسطاء إلى صناعة معقدة وأداة فعالة لتحريك الشعوب.
مؤلف كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
إدواردو غاليانو : عملاق من عمالقة الأدب اللاتيني والمفتون بالساحرة المستديرة، فكان رجل الحروف البارز في مجال كرة القدم العالمية، ولد غاليانو في الأوروغواي عام 1940 ومات في 2015، عمل خلال حياته باحثًا وروائيًّا وصحفيًّا، لكنه عاش جزءًا من عمره منفيًّا بعيدًا عن موطنه في إسبانيا والأرجنتين لأسباب سياسية.
امتاز أسلوبه بدمج المفردات والأنماط العالمية المستخدمة في الأدب، فعدَّ ملهمًا للكثيرين حول العالم، وترجمت أعماله إلى ثمانٍ وعشرين لغةً، من أبرزها:
أفواه الزمن.
أبناء الأيام.
صياد القصص.
الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية.
معلومات عن المترجم
صالح علماني: رائد ترجمة أدب الواقعية، الذي استطاع بمجهوده الفردي الغزير على مدى أربعين سنة وبكلماته السلسة أن يأخذ بأيدينا لنتطلع على أمريكا اللاتينية وأدبها كما لم يفعل غيره.
ولد شيخ المترجمين العرب في سوريا عام 1949 بهُوية فلسطينية وفارق عالمنا سنة 2019 في إسبانيا، وهي الدولة التي احتضن لغتها، وعمل في نقلها لنا بعد أن ترك دراسة الطب ومن بعدها الصحافة، حتى وجد ضالته مصادفةً في الترجمة، وقال في ذلك: “أن تكون مترجمًا مُهمًّا أفضل من أن تكون روائيًّا سيئًا”، وهكذا صار وسم “صالح علماني” على فاتحة كتاب ما شهادة بأن المضمون يستحق القراءة.