الدعابة العبثية والاعتداء على قيمة الإنسان
الدعابة العبثية والاعتداء على قيمة الإنسان
فلنتخيَّل معًا أن لدينا “عاملًا” كل مهمته في أحد المصانع أنه يقوم بالضغط على “مقبض” كل خمس دقائق، وكان يقوم بهذا الفعل لعدة سنوات، ثم اكتشف هذا العامل أن هذا المقبض الذي كان يضغط عليه طوال تلك السنوات لم يكن يعمل، وأنه كان يفعل ذلك بشكل عبثي وبلا معنى، ففي تلك الحالة سيصاب هذا العامل بانهيار عصبي وقد يجنُّ جنونه نتيجة الخوف الناتج عن العبثية وغياب المعنى، وعلى الجانب الآخر فإن تلك القصة المرعبة ستثير لدينا الضحك والشعور بالمتعة اللحظية بسبب عبثية وغياب المعنى في العمل الذي كان يقوم به هذا العامل، وبالتالي فإن “العبثية مغرية ومروعة في ذات الوقت”، وبناءً على ذلك فإننا قد نجد الإنسان يقوم بتوريط نفسه في الإغراق في اللامعنى والعبثية من أجل الحصول على لحظة مباركة من البهجة والسعادة!
أضف إلى ذلك أنه عندما يضحك أحد الأشخاص على حالتك فهو في الحقيقة يقوم بتحجيمك وتقييدك، ومن ثم يقوم بإهمال حالتك بدلًا من التعرض لها بشكل جدِّي، وهذا النوع من الضحك الذي يهدف إلى تحجيمك يعد نوعًا مؤلمًا جدًّا من الإذلال، كما أن هناك الكثير من الناس يضحكون لأنهم يشعرون بالوجاهة والفخر أمام عجز الآخرين معبِّرين بذلك عن تفوقهم، وكون هؤلاء العاجزين في مرتبة أدنى منهم، فيقول “هوبز” عن تلك الحالة من البهجة الناتجة عن الشعور بعجز وآلام الآخرين أنها دليل على “الجُبن”، وبالتالي يُظهر هؤلاء رثاثتهم الأخلاقية، فسقوط سروال أحد الأشخاص في مكان عام يثير الضحك والسخرية عند البعض كونهم متفوقين عليه في الحرص وفي اختيار نوعية السراويل التي يرتدونها، لكن أصحاب العقول العظيمة لا يسخرون من الآخرين، بل ينظرون إلى من هم أفضل منهم.
الفكرة من كتاب فلسفة الفكاهة
تذهب دراسات كثيرة إلى القول إنه لا ينبغي تفسير الفكاهة، لأن تحليلها وتفسيرها يؤدي إلى تدميرها، إذ إن تفسير الفكاهة ينفي عنها كونها فكاهة، وفي الحقيقة هذا ليس صحيحًا إلا في حال تم إلقاء الفكاهة وتفسيرها في ذات الوقت، وبالتالي فإن فهم الطريقة التي تعمل بها الفكاهة لا يعني في الحقيقة تدميرها، وعمومًا فإن للدعابة والفكاهة استخدامات عديدة، فبعض الأشخاص المتصفين بالعنصرية قد يستخدمونها للترويج لأفكارهم التي لا يستطيعون -خوفًا من المجتمع- قولها بشكل تقليدي خالٍ من الدعابة، وقد تستخدم الفكاهة للحض على فضيلة، أو الترويج للجنس والعنف تحت ستار الدعابة، كما أن الفكاهة من وجهة نظر جوناثان ميلر: هي تسلية مجانية للعقل تريحنا من سلسلة الأفكار الروتينية، وتخفِّف من استبدادها، وتمنعنا من أن نصبح عبيدًا لها.
مؤلف كتاب فلسفة الفكاهة
تيري إيغلتون : هو كاتب ومفكر وناقد أدبي وأكاديمي بريطاني، يعمل في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة لانكستر، قام بتأليف العديد من الكتب، منها: “النظرية الأدبية”، و”أوهام ما بعد الحداثة”، و”الرعب المقدس”، و”معنى الحياة”، و”مشكلات مع الغرباء”، و”فكرة الثقافة”، و”فلسفة الفكاهة”.
معلومات عن المترجم:
ماجد حامد: ترجم عددًا من الكتب، ومنها رواية “إجازة في بركة دماء”، لمؤلفها مايكل كونللي، وكتاب “نوڤاسين – عصر الذكاء الفائق القادم”، لمؤلفيه جايمس لوڤلوك وبراين آپليارد، ورواية “باسم الشعب”، لمؤلفها زو مايسن.