لماذا نبذنا الانطوائية؟
لماذا نبذنا الانطوائية؟
نعيش في زمن يمجِّد الناس فيه الاجتماعيين وينبذون الانطوائيين، إذا نظرت إلى مشاهير مواقع التواصل هذه الأيام لم تجد لأغلبهم مزية إلا قوة الحضور والمظهر الجيد وكثرة العلاقات، يتابعهم الناس بغض النظر عن علمهم وجهلهم بما يتكلمون فيه، وكتب تطوير الذات مثلًا تغيَّرت تغييرًا كبيرًا في القرن العشرين، كانت قبله تركز على مواضيع كالمواطنة والعمل والشرف والنزاهة، أما الآن فتجدها زاخرة بالحديث عن تكوين العلاقات وجاذبية المظهر والحديث، وبهذا أصبح الناس ينظرون إلى الصمت والعزلة على أنهما مشكلة معوقة عن النجاح بالمعايير الجديدة، تلك المعايير التي رُسِمت مع انطلاق الثورة الصناعية، حين ترك الناس عملهم في المزارع مع الجيران إلى العمل في الشركات مع الغرباء في المدينة الكبيرة، فكان الانطوائيون من أكبر الضحايا لأن الاجتماعيين كانوا أكثر تأقلمًا مع الظروف الجديدة وأكثر مجازفة وأسرع في بناء الشركات والمشاريع، ولا يمانعون الاختلاط بأشخاص جدد كل يوم في الحفلات والاجتماعات، ويُسوقون ويعقدون الصفقات معتمدين على مهاراتهم في العرض والإقناع، وهي أمور مرهقة بالنسبة للانطوائيين، مما جعل الاجتماعي هو الموظف المثالي، ثم شمل ذلك باقي جوانب الحياة، فنجد الأمريكيين مثلًا تحوَّل إعجابهم من المثقفين إلى نجوم هوليوود.
ربما تفكر الآن في أن الثورة الصناعية مرتبطة بالآلات والمخترعات فقط، فكيف تصنع تأثيرًا اجتماعيًّا كبيرًا هكذا؟ الجواب يكمن في أن المخترعات الجديدة فرضت على المجتمع أن يرتقي بنظام معيشته ليواكبها، وأن يغير مكان سكنه وعمله ليشارك في الأنشطة الاقتصادية الجديدة، وجاء جهاز التلفزيون مع المسلسلات والإعلانات التي أظهرت الشخصية الاجتماعية على أنها الشخصية الصحية وحطَّت من الانطوائية، ومع أن الأمر بدأ في المجتمعات الغربية، فإنه سرعان ما صُدِّر إلى بلداننا، فكان ذلك أشبه بغزو فكري أو غزو لا شعوري كما يسميه المؤلف، غرس في أذهان الناس تفضيل الاجتماعية ونبذ الانطوائية دون أن يشعروا، وجعل كثيرًا من الانطوائيين يجبرون أنفسهم على تقمُّص أدوارٍ ليست لهم.
الفكرة من كتاب هارون أخي
ما الانطوائية؟ وكيف تشكَّلت نظرتنا الحالية المغلوطة تجاهها؟ ما مميزاتها؟ وكيف نحسن التعامل معها؟ يقدِّم لنا هذا الكتاب إجابات عن هذه التساؤلات وغيرها، إذ وجد مؤلفه حاجة المجتمع العربي إلى ذلك، مستعينًا بما قرأه في كتاب “الهدوء: قوة الانطوائيين” لسوزان كين، وبأحاديثه مع الانطوائيين.
مؤلف كتاب هارون أخي
عبد اللطيف خالد القرين: كاتبٌ ومهندس مدني سعودي، يحمل ماجستير الإدارة الهندسية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ومن أبرز كتبه:
غَزَلته امرأة.
الخَلطة الجامعية.