المعسكرُ الرأسماليُّ وخنقُ مجموعةِ عدمِ الانحياز
المعسكرُ الرأسماليُّ وخنقُ مجموعةِ عدمِ الانحياز
انطلقَ المعسكرُ الغربيُّ الرأسماليُّ يَعرِضُ نَمُوذَجَهُ المذهبيَّ على العالم الثالثِ المُتحرر، الذي عاشَ عُمْرَهُ الاستعماريَّ في ظلِ اقتصادٍ رأسِماليٍ أو إقطاعي.
لكن وَجَدَ العالمُ الثالثُ أن عشوائيةَ وانتهازيةَ الاقتصادِ الحر، وأناركيةَ المذهبِ الليبرالي الفردي، لا يمكن إلا أن تكونَ مُعوِقًا خَطيرًا في سبيل انطلاقه.
في نفسِ الوقت، وجدت تلك الدولُ أنّ مُعدلَ النموِ الاقتصاديِ في الاتحادِ السوفيتي، ضِعْفُ معدلِ الولاياتِ المتحدة؛ وأنّ مُعدلَ الإنتاجِ الصناعي في الكتلةِ الشِيوعية، ثلاثةُ أضعافِهِ في الكتلة الرأسمالية. أيضًا، كانت تلك الدولُ تنظُرُ إلى الخَلف، فترى ظروفَهَا تتشابهُ مع ظروفِ روسيا والصين، ومن هنا كانت حتميةُ الحلِ الاشتراكي.
لكن تلك الدول، لم تكن تريدُ أن تحتذي بالنَموذجِ الشرقي بشكلٍ تام في صورتِهِ الشيوعية، بل آثرت طريقًا اشتراكيًّا وسطًاً مُعتدِلاً، لا يَجنحُ إلى أقصى اليسار. وفي رأي البعض، أن هذا الطريقَ الوسطَ يتمثلُ في الجمعِ بين قطاعٍ عامٍ قائدٍ وسائد، وقطاعٍ خاص ثانوي.
حارَبَ المعسكرُ الرأسماليُّ هذا الاختيارَ عَلنًا وبكل عُنفٍ وضَراوةٍ، فلسفيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، كما كان لمجموعةِ عدم الانحيازِ العديدُ من العيوب؛ فلقد توسعت المجموعةُ توسعًا أفقيًّا خطيرًا في العقدين الأخيرين، دون أن يُصاحِبَ ذلك توسُعٌ رأسيٌّ يَمنحُهَا عُمقًا كقوةٍ عالمية. لقد كان عدمُ الانحيازِ منذُ بدايته، كمًّا أكثرَ منه كيفًا؛ فكانت رُقْعَتُهُ السياسيةُ كبيرة، بينما كانت كثافتُهُ السياسيةُ واهيةً وهشة نسبيًّا.
أيضًا ضمَّ عدمُ الانحيازِ تجمعاتٍ سياسيةً دَوليةً أقلَّ تَجانُسًا وأشدَّ تَنافُرًا في عناصرِ تركيبِته، وحتى في تركيبتِهِ السياسيةِ ذاتِها.
على أن الضربةَ الكُبرى لعدمِ الانحيازِ جاءت مع الوِفَاق؛ فلقد جاءَ الوِفَاقُ الثُنائيُّ بين القوتيْنِ الأكبر، أشبَهَ بالوِفَاقِ الثُنائيِ القديم بين قوى الاستعمار؛ فكمَا أُطلِقَت يَدُ فرنسا في المغرب مُقابلَ إطلاقِ يدِ بريطانيا في مصر؛ أَطلقَ الوِفاقُ كأمرٍ واقع، يدَ الاتحادِ السوفيتيِ في أفريقيا والعالمِ الثالث؛ مقابلَ إطلاقِ يدِ الولاياتِ المتحدةِ في الشرقِ الأوسطِ والعالم العربي.
الفكرة من كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير
يعتبر كتاب “استراتيجية الاستعمار والتحرير”، مدخلاً إلى علم الجغرافيا السياسية؛ حيث يأخذُكَ المؤلفُ في رحلةٍ؛ لاستكشافِ قوانينَ الجغرافيا والتاريخ، ويحللُ، لماذا قامتِ الإمبراطورياتُ والدولُ، بدايةً من فجر التاريخ إلى تاريخ إصدار الكتاب عام 1968.
كما يعرضُ أيضًا تاريخَ الاستعمار، لفَهْمِ دوافعِهِ ومآلاته؛ ثمّ يعرضُ حركاتِ التحرّر التي هدمت بُنْيَانَه.
مؤلف كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير
يُعتبر “جمال محمود صالح حمدان”، أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين.
ولد “جمال”، بمحافظة القليوبية، في مصر عام 1928م، ونشأ في أسرة تنحدر من قبيلة “بني حمدان” العربية، التي نزحت لمصر بعد الفتح الإسلامي.
تمتاز كتاباته برؤية استراتيجية متكاملة للمقومات الكلية، للتكوينات الجغرافية والبشرىة والحضارية، ورؤية لعوامل قوتها وضعفها؛ فهو لم يتوقف عند تحليل الأحداث الآنية أو الظواهر الجزئية، وإنما سعى إلى وضعها في سياق أعم وأشمل، ذو بعد مُستقبلي.