سرمدية العالم
سرمدية العالم
ترى الماركسية أن المكان بلا نهاية، إلى جانب أن الزمان لا بداية ولا نهاية له، ويبنون على ذلك أن العالم المادي منبسط بلا نهاية، وممتدٌّ في الزمان بلا بداية أو نهاية، وعلى ذلك لا يكون الزمان والمكان إلا شكلين لوجود المادة، وبالتالي لا يتحقَّق الشكل إلا بوجود المضمون، فإذا وجدت المادة (المضمون)، وجد الشكل (الزمان والمكان)، وإذا فُقِدَ المضمون، فُقِدَ الشكل، وبناءً على ذلك يكون الزمان والمكان تابعين للمادة وليس العكس.
وهذا الادعاء الماركسي بأن الزمان شكل لوجود المادة، يعني أن المادة انبثقت عن فكرة الزمان، ونتيجة ذلك الكلام تكون المادة بأشكالها وأنواعها المختلفة انبثقت عن الفكر، وهذا هو عين ما تنكره الماركسية! بينما المعنى الصحيح -كما يرى البوطي- أن الزمان هو البُعد الذي يقوم برصد الحركة، بينما المكان هو البُعد الذي يضبط الجسم، وبناءً على ذلك يكون البُعد بالنسبة إلى حركة المادة نوعًا من الاستمرار والبقاء، وبالنسبة إلى الجسم فهو امتداد للمكان، فلا يتصوَّر الإنسان شيئًا إلا في الزمان والمكان، فالبقاء لا وجود له إلا بوجود ما هو باقٍ، والجهة لا وجود لها إلا ضمن جسم، وبالتالي لا معنى للزمان والمكان إلا في حالة وجود ما يشغله.
ولا تتوقَّف الماركسية عند حد القول إن العالم سرمدي، بل تزعم أيضًا أنه في حالة حركة وتغيُّر منذ الأزل؛ وهذا راجع إلى التزام الماركسيين السابق بإنكار وجود الإله الخالق، مما دفعهم إلى تنصيب الديالكتيك ميزانًا يزنون به الأقوال، جاعلين أي نقد أو قول علمي أو عقلي سفسطائية وهباء إذا خالف هذا الالتزام بإنكار وجود الإله، لذلك قالوا إن العالم سرمدي وفي حالة حركة وتغير منذ الأزل.
الفكرة من كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
تكمن خطورة المادية الجدلية -مثلما يرى البوطي- في انبهار ذوي الثقافة المحدودة بها وانجذابهم إليها بعيدًا عن مقتضى العقل ورقابته الموضوعية الواعية، فدُعاة الشيوعية يقدِّمونها للناس على أنها واقع الكون والحياة الإنسانية الذي لا سبيل إلا الخضوع لها، والعلاج من هذا الانبهار والانجذاب إلى تلك الفلسفة يكمن في الرجوع إلى الفكر والعقل، فمن خلال العقل والمنطق الموضوعي سنجد أن المادية الديالكتيكية تتعارض بشكلٍ فجٍّ مع حقائق ووقائع التاريخ، كما أنها تخالف في كثير منها مقتضى العقل، بالإضافة إلى تعارضها مع العلم.
مؤلف كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: عالم سوري، وأحد علماء الإسلام الأفذاذ، له عشرات الكتب في علوم الشريعة، والآداب والتصوُّف والفلسفة والاجتماع، كما أن له كتبًا في نقد الإلحاد والفلسفات المادية، ومن مؤلفاته: “كبرى اليقينيات الكونية”، و”اللامذهبية أخطر بدعة تهدِّد الشريعة الإسلامية”، و”حرية الإنسان في ظلِّ عبوديته لله”.