في طريقك إليه
في طريقك إليه
تأتي منزلة السماع من قوله تعالى ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾، وحقيقة السماع تنبيه القلب على معاني المسموع، والسماع أصل العقل، والمسموع ثلاثة أنواع: مسموع يحبه الله، ومسموع يبغضه، ومسموع مباح، فالمسموع الذي يحبه هو سماع آياته المتلوَّة، ويكون سماع القرآن إدراكًا وفهمًا وتدبرًا وإجابة، فهو سماع يحدو القلوب إلى جوار علَّام الغيوب، والسماع الثاني هو سماع كل ما يضرُّ العبد في قلبه ودينه، كسماع اللغو الذي مدح الله التاركين لسماعه، والمعرضين عنه بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾.
وإن السماع يُحدث حركة القلب، ومن حركته: الخشوع، وهو قيام القلب بين يدي ربِّه بالخضوع والذلَّة والجمعيَّة عليه، فالخشوع محلُّه القلب وثمرته الجوارح، حتى يصل القلب إلى حالة من السكينة والطمأنينة فتتحقَّق له منزلة الإخبات، فيتخلَّص من التردُّد والرجوع، ويكون مُطمئنًّا بالله.
ومن ذاق حلاوة الطمأنينة قدَّر ثمن المطلوب، فزهد في غيره، فيتحقَّق بمنزلة الزهد، وهو: ترك ما لا ينفع الآخرة، أما الورع فهو ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. وكُلما ذاق القلب جلال الغاية وجمالها وكمالها، ابتغى الوسيلة إليها، يقول تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۚ﴾، وابتغاء الوسيلة إليه هو طلب القُرب منه بالعبودية والمحبَّة، فالرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدار الآخرة، وهو غير التمنِّي فالتمني يكون مع الكسل، والرجاء يكون مع البذل وحسن التوكُّل.
وتأتي منزلة أخرى وهي المراقبة وتعني دوام علم العبد باطلاع الله على ظاهره وباطنه، ثم منزلة الإخلاص والتي قد يعرض للعبد فيها ثلاث آفات في عمله، وهي: رؤيته وملاحظته، وطلب العوض عليه، ورضاه به وسكونه إليه، فالذي يخلِّصه من رؤية عمله: مشاهدته لمنَّة الله عليه وفضله وتوفيقه وأنه قام بالله لا بنفسه، والذي يخلِّصه من طلب العوض على العمل: علمه بأنه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيِّده عوضًا ولا أجرة، والذي يخلِّصه من رضاه بعمله أن يطالع عيوبه وآفاته، وعلمه بما يستحق الرب من حقوق العبودية.
الفكرة من كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
يقول ابن القيِّم (رحمه الله): “إن حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله، ومحبَّتهِ، والإنابة إليه، والتوكُّلِ عليه”، فكيف لهذا القلب أن يحيا تلك الحياة دون أن يعرف خالقها؟ دون أن يعرف العبد ما يحيا به قلبه؟ دون أن يعرف كيف يتصل هذا القلب بربِّه ويتعبَّد إلى مولاه؟ فإن السائر إلى الله تعالى مفتقرٌ في سيره إلى ما يُصلح قلبَه ويُزَكيه، وقد ألَّف ابن القيِّم (رحمه الله) كتابه مدارج السالكين في الحديث عن هذا السَّير.
وقد قام الباحثون بتهذيب الكتاب في كتاب “تقريب مدارج السالكين”، ثم هذَّبوه لمزيد من التقريب في “الإكسير”، والذي يُعد خلاصة خلاصة مدارج السالكين، لتيسير الاستفادة منه لشريحة أوسع من القراء، فحرِّر قيود روحك وانطلق آمنًا مُطمئنًا أيها السالك في طريق الله!
مؤلف كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
مجموعة من الباحثين وهم: الدكتور صالح بن عبد العزيز المحيميد، والأستاذ تركي بن عبد الله التركي، والدكتور حازم بن عبد الرحمن البسام، والدكتور فهد بن محمد الخويطر، والأستاذ محمد عبد الله الحميد.