واجمع على التشمير إليه
واجمع على التشمير إليه
وهنا تأتي منزلة التوبة التي هي بداية العبد ونهايته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، فقسم العباد إلى تائب وظالم، وقد أجمع العارفون بالله على أن الخذلان هو أن يُخلي الله بينك وبين نفسك، والتوفيق هو ألا يكلك الله إلى نفسك، فحقيقة التوبة هي الندم على ما سلف في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يُعاوده في المستقبل.
ولـ “لا إله إلا الله” فضل في تبديد ضباب الذنوب، فلها نور يتفاوت أهلها فيه قوة وضعفًا لا يُحصيه إلا الله (تبارك وتعالى)، وبحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة؛ تظهر أنوارهم يوم القيامة بين أيديهم على هذا المقدار، وكلَّما عظم نور هذه الكلمة واشتدَّ؛ أحرق الشبهات والشهوات بحسب قوَّته وشدَّته، وإذا استقرت قدم السالك في منزل التوبة نزل منزل الإنابة، والإنابة إنابتان: إنابة لربوبيته وهي إنابة المخلوقات كلها، وإنابة أوليائه وهي تتضمَّن أربعة أمور: محبَّته والخضوع له والإقبال عليه والإعراض عمَّا سواه، وفي اللفظة معنى الإسراع والرجوع والتقدُّم، فالمُنيب إلى الله هو المُسرع إلى مرضاته والراجع إليه.
ثم ينزل القلب منزلة التذكُّر وهو قرين الإنابة ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾، فالناس ثلاثة: رجل قلبه ميِّت فذلك لا قلب له، ورجل له قلب حي مستعد لكنه غير مستمع للآيات المتلوَّة، فقلبه مشغول بغيرها، ورجل حيُّ القلب مستعد تُليت عليه الآيات فأصغى بسمعه، وإنما تُحنى ثمرة الفكرة بثلاثة أشياء: قصر الأمل، والتأمُّل في القرآن، وقلَّة الخلطة والتمني والتعلُّق بغير الله والشبع والمنام، ثم تأتي منزلة الاعتصام، وهي اعتصامان: اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله، فالاعتصام بالله التوكُّل عليه والاحتماء به، والاعتصام بحبله هو هداية الطريق والسلامة فيه.
الفكرة من كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
يقول ابن القيِّم (رحمه الله): “إن حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله، ومحبَّتهِ، والإنابة إليه، والتوكُّلِ عليه”، فكيف لهذا القلب أن يحيا تلك الحياة دون أن يعرف خالقها؟ دون أن يعرف العبد ما يحيا به قلبه؟ دون أن يعرف كيف يتصل هذا القلب بربِّه ويتعبَّد إلى مولاه؟ فإن السائر إلى الله تعالى مفتقرٌ في سيره إلى ما يُصلح قلبَه ويُزَكيه، وقد ألَّف ابن القيِّم (رحمه الله) كتابه مدارج السالكين في الحديث عن هذا السَّير.
وقد قام الباحثون بتهذيب الكتاب في كتاب “تقريب مدارج السالكين”، ثم هذَّبوه لمزيد من التقريب في “الإكسير”، والذي يُعد خلاصة خلاصة مدارج السالكين، لتيسير الاستفادة منه لشريحة أوسع من القراء، فحرِّر قيود روحك وانطلق آمنًا مُطمئنًا أيها السالك في طريق الله!
مؤلف كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
مجموعة من الباحثين وهم: الدكتور صالح بن عبد العزيز المحيميد، والأستاذ تركي بن عبد الله التركي، والدكتور حازم بن عبد الرحمن البسام، والدكتور فهد بن محمد الخويطر، والأستاذ محمد عبد الله الحميد.