ماذا عن نشأة الفلسفة؟
ماذا عن نشأة الفلسفة؟
من الضروري التنبُّه إلى أن فلسفة اليونان لم تكن جزءًا أصيلًا اختصت به الحضارة اليونانية، وإنما كبقية العلوم نقلها اليونانيون عن حضارات سابقة ثم أضافوا إليها، فأبو الفلسفة اليونانية “طاليس” الذي قال عنه أرسطو إنه مؤسس الفلسفة ولقَّبه بالمعلم الأول، كان قد أدخل الفلسفة من مصر إلى اليونان وكذلك علوم الهندسة وحساب المثلثات، وبالطبع لا نكران لفضل اليونان في الإضافة إلى علوم الفلسفة، وإنما مكمن الأمر هو إنكار ذلك الادعاء الذي يرى أن اليونانيين قد امتازوا بالفلسفة وذلك فقط لكونهم أبناء القارة الأوروبية التي لطالما ظنت أنها متفردة وتسمو على بقية البشر.
أما عن شهرة اليونان بالفلسفة رغم أن كبار فلاسفتها كانوا تلامذةً للمصريين هو أن اليونان تميَّزت بكونها ليست البلاد التي يسيطر فيها الكهنة فيجعلون لأنفسهم هذه الأمور ولا يتيحونها للبقية كما في مصر القديمة التي كانت فيها دولة دينية من الكهَّان، وكذلك الهند وبلاد ما بين النهرين، وعندما اصطدم اليونانيون بسلطان الدين رأينا مقتل سقراط وتشرد أفلاطون وانعزال أرسطو حتى خفت ضوء الفلسفة اليونانية.
لطالما ظنَّت أوروبا خصوصًا منذ بداية عهدها الاستعماري أنها بأجناسها تتميَّز عن بقية أجناس الدنيا، وأنها أعلى مرتبةً ومكانةً بشرية، وهذا ما جعلها ببساطة تبرر لنفسها أساليب الاستعمار والاستعباد، وكثيرًا ما كنا نسمع عن مناظرات بين الجنس الآري والجنس السامي في التفكير والثقافة وإنشاء الحضارة، وبالطبع يستعرضون هنا الثقافة اليونانية كون اليونان آريين وأوروبيين، مع أن أسس حضارة اليونان نفسها جاءت من الشرق، فنحن نراها تتأثر بكل مرحلة مثل مرحلة الكتابة والصناعة في اليونان مع هجرة “قدموس” وجماعته الفينيقية، ثم مرحلة أخرى مرت بها اليونان بعد دخولها المسيحية، وربما لم تكن هذه آخر مرحلة دخلت فيها اليونان، فالعثمانيون كانوا يودون إجبار اليونان على الدخول في ديانة الإسلام، لولا اشتداد فتاوى شيوخ الإسلام الذين حرَّموا على السلاطين إكراه أهل الذمة للدخول في الإسلام.
الفكرة من كتاب الثقافة العربية
إذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء، أو بمعنى أدق إلى الوراء كثيرًا، لوجدنا أن أقدم الثقافات في تاريخ البشرية ثلاث، وهي: الثقافة العربية، والثقافة اليونانية، والثقافة العبرية، والحق أن الثقافة العربية هي أقدمها، ورغم كون الأمر غريبًا بعض الشيء فإنه مُثبت بأدلة تاريخية واضحة، ويهتم هذا الكتاب بذكرها، ولكن ماذا إذا كانت قراءة تاريخ أمةٍ منذ بدايتها تجعلنا نعرف أشد نقاط ضعفها؟ وهذا يشمل حتى كونها أقوى الأمم في وقتنا الحالي، هنا يتعيَّن علينا استخدام قاعدة أن التاريخ دائمًا ما يُعيد نفسه ولو اختلفت أدواته.
مؤلف كتاب الثقافة العربية
عباس محمود العقاد (1989 – 1964): أديب ومفكر وشاعر مصري، وعضو سابق في مجلس النواب ومجمع اللغة العربية، ويُعد أحد عمالقة الأدب في مصر والعالم العربي، ويُعد من أهم كُتَّاب القرن العشرين في مصر، إذ عُرف بأنه رجل موسوعي المعرفة، حيث ألَّف العديد من الأعمال فاقت مئة كتاب في شتى المجالات، أشهرها:
– حياة قلم.
– سلسلة العبقريات.
– الفلسفة القرآنية.
– أثر العرب في الحضارة الأوروبية.