وحدنا معًا
وحدنا معًا
حين تتأمل الفيض من التكنولوجيا حولنا ستُدرك أنها هي التي جعلتنا أقل قدرةً على التواصل الاجتماعي بالواقع، ولها عدة تأثيرات سلبية ستدركها إن تأملت علاقتك بالفيسبوك، فقد أصبحنا نحب صورنا المُتصدِّرة عليه، وكثير منا فَقَدَ صلته بهويته الإنسانية كشخص، كل هذا وأكثر جنَّبنا التفاعلات اليومية الحياتية العادية من تواصلات، حتى أصبح السؤال عن الآخرين من خلال عدة رسائل دون مشاعر حقيقية متبادلة، بل فقط بأيقونات تعابير الوجه التي كلما زدت منها فقدت جزءًا صغيرًا من تعابير وجهك الحقيقي، كما اكتشف أنه كلما زاد عدد الأصدقاء لديك على الفيسبوك تصبح علاقاتك الحقيقية أقل لأنه يعزِّز فكرة زيادة لائحة الأصدقاء الذين تعرفهم أو لا تعرفهم فيصبحون لائحة مرُقَّمة لا علاقة إنسانية تربطهم، ثم تكتسب نوعًا جديدًا من الوحدة تتراجع فيه حياتنا الاجتماعية العاطفية.
والهوس بهذه المواقع جعلنا منشغلين في رحلاتنا الترفيهية الحقيقية بالصور، وتحميلها على الفيسبوك، فمن دون هذا الموقع ستجد أنك تتفاعل بشكل حقيقي مع الأشخاص من حولك مستمتعًا برحلتك، أما المنشغلون بتحميل صورهم لإخبار العالم عن رحلتهم المميزة فحصلوا على صور جميلة يبدون فيها سُعداء فقط، لكنهم في الحقيقة كانوا غائبين عن اللحظة وحاضرين على الفيسبوك فقط.
فالفيسبوك يستولي على انتباهك لدرجة قد تصل إلى الإدمان، وقد تمضي من يومك ساعات في تفاعل إنساني بـزرِّ Like، إذا جربت أن تغلقه -وهذا ما فعله الكاتب- ويُخبرنا بأن النتيجة كانت مذهلة، فقد زادت إنتاجيته في العمل والدراسة، وقلَّ الضجيج الإلكتروني من حوله، ووصف نفسه بأنه أصبح أكثر “حضورًا” بالعالم.
وذكر الكاتب: “خلاصة تجربتي المتواضعة عبَّر عنها الشاعر الإنكليزي توماس إليوت حين كان يتحَدَّث عن الراديو، لكن ما قاله ينطبق على الفيسبوك أيضًا: “إنه وسيلة ترفيه تتيح لملايين الأشخاص أن يستمعوا لذات النكتة في وقت واحد والبقاء في نفس الوقت، وحيدين”، فالفيسبوك جمع الناس في مكان واحد، لكنه جعلهم معزولين بعضهم عن بعض أكثر من أي وقت مضى، “وحدنا معًا” هو الاسم الحقيقي للفيسبوك، وهذا ما دفعني شخصيًّا لمغادرته”.
الفكرة من كتاب العيش كصورة.. كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة
كل ما أنجبته التكنولوجيا الحديثة في حياتنا كان سلاحًا ذا حدين، لكننا لم نستقبل هذه الأسلحة بواقعية، بل انغمسنا في مميزاتها واعتصرتنا عيوبها، لذا وجب علينا أن نقف وقفة أمام هذه الأسلحة، ومن توابع التكنولوجيا موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” الذي أصبح الجميع لديه حساب خاص عليه، ويجعل هذا الحساب يتحكَّم به وباهتماماته، يرى العالم والعلاقات من خلاله فقط، ألم تتساءل كيف جعلنا الفيسبوك؟ وكيف جعل العالم أمامنا؟
مؤلف كتاب العيش كصورة.. كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة
طوني عادل صغبيني: مواليد زحلة، لبنان، حائز على ماستر في العلوم السياسية عن أزمة الطاقة وعالم ما بعد النفط، ناشط مدني وبيئي، باحث له دراسات منشورة في عدة جرائد ومجلات لبنانية.
وله مؤلفات عديدة منها: الهروب من السيستيم، لعنة الألفية لماذا يفشل النشاط التغييري.