نعمة رؤية الأهل وأصحاب الفضل
نعمة رؤية الأهل وأصحاب الفضل
قرَّرت هيلين بعد تخيُّلها بحصولها على ثلاثة أيام تتنعَّم فيهم بنعمة الإبصار أن تبدأ يومها الأول برؤية كل من كان له فضل عليها في حياتها، وكل من كانوا لطفاء ومخلصين معها كأستاذتها المُخلصة الآنسة سوليفان ماسي التي أخذتها وهي طفلة لتعلِّمها وتُخرجها من قاع اليأس، وهي تعلم أن مهمتها لن تكون سهلة كما هي عليه مع الأطفال العاديين، وبالطبع سترى أصدقاءها اللطفاء الذين كانوا بجانبها لجمال قلبها ولم تعرف ملامحهم ولم يربطها بأشكالهم سوى ما كانت تتحسَّسه بيديها من وجوههم لتتفحَّص الملامح والشعور، أو على شفاههم لتشعر بما ينطقونه، وها هي هيلين تُخاطبنا -نحنُ المُبصرين- بنوع من العتاب كوننا أهملنا تلك النعمة ولم نستخدمها لنشعر بجمال التفاصيل حولنا، فهل باستطاعتنا أن نصف بدقة وجوه خمسة من أهم أصدقائنا ولون أعينهم وتفاصيل بشرتهم وما إلى ذلك؟
لن تُضيع هيلين هذه الفرصة، فلديها ثلاثة أيام فقط، وستُكمل يومها الأول الذي سيكون مزدحمًا برؤية كل أصدقائها لتنعم بالنظر في وجوههم طويلًا حتى تحفظ ملامحهم دومًا، ثم تنظر إلى حيواناتها الأليفة وكلابها الأربعة الوفية، لتنتقل إلى بيتها وجدرانه وصوره وأثاثه، وكُتبها المطبوعة التي كانت لها نعم الرفيق في وحدتها المُظلمة، وبعد الظهيرة ستقوم بجولة داخل الغابة لتستمتع عيناها بجمال الطبيعة، وبعدها تذهب إلى بعض القرى المجاورة، وحين يخيِّم الليل ستعود مستمتعة بجمال الليل وقمره وتلك الأضواء الصناعية التي تُنير الظلمة من حولها.
الفكرة من كتاب لو أبصرت ثلاثة أيام
إننا البشر حين نعتاد هذه الحياة ومرور أيامها ننسى كل تلك النعم التي رُزقنا بها، ويا لضعف الإنسان حين تضيق عليه دنياه بالتفكير في حزنٍ ويأسٍ وأوهامٍ أحاط نفسه بها، لكن كم من نعمٍ وجب علينا أن نقف لحظةً في يومنا ونحن ممتنون لوجودها، فها هي نعمة الأهل والأصدقاء والطبيعة من حولنا والصحة، ولكن ماذا إذا فقدنا نعمة النظر إلى كل ما تم ذكره؟ هل تخيَّلنا أنفسنا للحظة نودِّع نعمة البصر باعتبار أن اليوم هو آخر يوم لها، ماذا كنت ستقرِّر حينها؟
مؤلف كتاب لو أبصرت ثلاثة أيام
هيلين كيلر آدامز: كاتبة ومحاضرة أمريكية، وُلِدَت فاقدة لحواس السمع والبصر والقدرة على الكلام، لكنها حوَّلت إعاقتها إلى جانب إنساني حفر اسمها في التاريخ بعد أن أخذت بيدها معلمتها آن سوليفان لتعليمها حتى حصلت على درجة البكالوريوس بكلية رادكليف بتقدير امتياز، كما حصلت على جائزة نوبل في الآداب لعام 1979م، وقد ألَّفت نحو ثمانية عشر كتابًا، وتُرجِمت إلى خمسين لغة، ومن أشهر مؤلفاتها: “قصة حياتي”، و”العالم الذي أعيش فيه”، و”أضواء في ظلامي”.