نظرة إلى البشر
نظرة إلى البشر
من صور الشر السائل التي يمارسها الإنسان، أنه أصبح في نظر النظم الاقتصادية والسياسية ضرورة، وغاية وجودنا تحقيق الإشباع عبر الاستهلاك، وقد أدى التمركز حول البشر إلى إهمال قدرة موارد الطبيعة على مجاراة السعار الاستهلاكي، فاستمرار استنزافها بجانب تضاؤل دور الزراعة سيؤدي إلى كارثة وشيكة، يحاول الكتاب والمفكرون منعها أو تأخيرها على الأقل ولكن لا يلقون آذانًا صاغية.
ومع تراكم صور العجز واليأس يختنق الفرد الذي يجد نفسه يعاني وحده، ويحتج ويبحث عن الخلاص أيضًا وحده، في تعبيره عن الاحتجاج والسخط من عدم جدوى ولا مبالاة القادة والساسة بما يحدث لهم، في الواقع الكثير من الثورات الحديثة ما هي إلا تفريغ الغضب واليأس دون طرح مشروع بديل، ثم العودة أو تأسيس نظام بنفس الجوهر ولكن بأشخاص مختلفين.
وهناك أفراد يتمتعون بمهارة تمدُّهم بالراحة، وهي القدرة على تبنِّي ازدواجية التفكير، فهم مستعدُّون لاعتناق الرأي المخالف تمامًا لرأيهم إذا تبيَّن أن مصالحهم تغيَّرت تجاهه، دون أدنى تأنيب لضمائرهم وحسهم الأخلاقي، ويسهم ضعف الذاكرة النقدية للأفراد بفقدان قدرة العقول على تبيُّن الأخطاء التي ارتكبت في الماضي، وتستمر هكذا سلسلة من الأخطاء المتشابهة.
ويمارس البشر الظلم والشر بعضهم ضد بعض، فقديمًا كان العنف عسكريًّا، أما الآن أصبح العقاب اقتصاديًّا، بإقصاء واستبعاد أفراد أو طبقات وحتى دول كاملة من شبكة التعاملات الاقتصادية والسياسية، ما يفرض عليهم معاناة خاصة.
الفكرة من كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
ما هو الشر؟ سؤال رغم بساطة صياغته فإنه يمثِّل معضلة صعبة، فلطالما كان الشر مرتبطًا في نظر الأديان والشرائع القديمة بالشيطان وأفعال الإنسان عندما يضل عن طريق الحق، أي أنه كان صلبًا محدَّد الشكل والملامح، تستطيع تمييزه من الخير، وتبعًا لذلك تنقسم رؤية العالم إلى أبيض وأسود، خير وشر، ولكن ماذا نفعل إذا تمَّت إسالة هذه الكتلة الصلبة، وبدأت في السريان والتغلغل في أدق التفاصيل والسلوكيات اليومية؟
هذا ما وصل إليه الشر في عالمنا الحديث، فبعد إنكار وجود الإله سقطت الأخلاق المتجاوزة للمادة وخصوصية الإنسان، واتخذ الشر السائل صورًا متعددة، وأصبح أكثر تأثيرًا في حياة الأفراد والشعوب، فما هي تلك الصور؟ وما طبيعة الشر السائل، وما هو الاختلاف بينه وبين الشر الأخلاقي القديم؟ هل عالمنا يدفعنا إلى الغرق في المزيد من الشر؟ وما البديل الذي أمامنا؟ بل وهل هناك بديل مطروح من الأساس؟
مؤلف كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
زيجمونت باومان: بروفيسور علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، طرد من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، واستقر في إنجلترا منذ عام 1971م، وله عائلة مكوَّنة من ثلاث بنات.
تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، وذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله: “الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”.
ليونيداس دونسكيس: منظِّر سياسي وأستاذ جامعي وفيلسوف، ولد في عام 1962م بليتوانيا، عمل في جامعة فيتاوتاس الكبير ببلاده، وتولى منصب عضو الاتحاد الأوروبي منذ 2009م إلى 2014م، توفي عام 2016م بسبب نوبة قلبية، من أشهر أعماله: كتاب “السلطة والخيال”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وله العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل: “عن الله والإنسان”، و”الحب السائل”.