معًا ولكن فُرادى
معًا ولكن فُرادى
إذا كان الخوف هو الهاجس الأكبر لدى الأفراد، فإنه سيدفعهم إلى الانعزال، حتى في أكبر المدن كثافة سكانية نلاحظ غياب التواصل والتفاعل الحقيقي بين الناس، بل إن المدن نفسها تم بناؤها بدافع الخوف ولكن من الطبيعة، والآن تبنى البيوت بطريقة تعزلها عن الحياة العامة وتميل النظريات المعمارية الجديدة إلى العزل والإقصاء.
وما عادت المدينة تمثل منتهى الانتماء لمواطنيها، بل إن الطبقات العليا لا تشعر بانتمائها ولا بمسؤولية تجاهها، فلا يهتم أهلها بشؤونها إلا في إطار راحتهم، كونهم يستطيعون بسهولة الانتقال إلى أي مكان في العالم، عكس الطبقات الدنيا التي انسجم أهلها في بيئتهم وأنماطها.
وزاد الخوف بطرد السياسة من الشؤون العالمية، والانكباب على الشؤون المحلية التي لن تقدم شيئًا لمشكلات عولمية غير تغذية شعور الفرد بعجزه وخوفه، وفي ظل غياب المعنى والحرية يصور العدو الوحيد في حالة السلام بصورة الدخلاء الذين يتسببون في كل الكوارث الاقتصادية وينبغي للدولة مهاجمتهم، دون محاولة للمشاركة والاختلاط بالآخر المختلف، لأن مجهودها ثقيل على النفس التي اعتادت النزعة الفردية والخوف، فانسحبت إلى التماثل تستمد منه الطمأنينة.
ولكننا نلاحظ بوضوح في عديد من المدن الكبرى العالمية تعايش ثقافات مختلفة بجانب بعضها، وهذا أحد تناقضات المدينة الذي يعد من عوامل الطرد والجذب في آن واحد، فإن الغرابة والاختلاف يمكن تفسيرها داخل إطار التمسك بإبراز كل ما يعرف أنفسنا مقابل الآخر، ولا يعني تقبل وجوده أننا نتقبل ما يؤمن به، مع محاولات دائمة للحفاظ على التواصل للحد الأدنى.
الفكرة من كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
يعيش عالمنا الحديث حالة استثنائية في تاريخ وجودنا البشري، بسبب التحولات الكبيرة التي أصابت البنية الاجتماعية والمرجعيات الأساسية التي استندت إليها البشرية لسنوات، فكل القيم والأطر الصلبة المتماسكة ذات المعالم الواضحة تحولت إلى سوائل تتشكل حسب حاجة القوى العملاقة المتصارعة في زمن العولمة.
ما تلك التحولات الرئيسة؟ وما أثر ذلك في الفرد البسيط في حياته اليومية؟ كيف جعلت تلك التحولات علاقاته هشة ومخاوفه كبيرة حتى مع زيادة التكنولوجيا وإجراءات الأمان، وما الذي يغذي حالة اللا يقين المسيطرة على الأفكار؟ وكيف حولنا النظام الاقتصادي الذي بنيناه إلى مجرد أشياء؟ كل ذلك هو ما يحاول كتابنا الإجابة عنه!
مؤلف كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
زيجمونت باومان، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، وهو بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، استقر في انجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله ” الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية” و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللا يقين”
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر، أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبد الوهاب المسيري” وسيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل “عن الله والإنسان” و”الحب السائل”.