لعبة سياسية.. النضال من أجل النادي والوطن معًا
لعبة سياسية.. النضال من أجل النادي والوطن معًا
كانت مصر في أثناء الحرب العالمية الأولى في وضع سياسي حساس، فالإمبراطورية العثمانية تعدها إحدى مقاطعاتها ويمثلها الخديوي، ولكن مع إعلان بريطانيا الحماية على مصر فقد وجدت النخبة المصرية نفسها في ورطة، فهؤلاء تربوا كرجالٍ فيكتوريين أولًا فكيف لا يتعاطفون مع إنجلترا؟ التي تمثل في الوقت نفسه عدوًّا إمبرياليًّا بالنسبة إلى بقية شعبهم، ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن تطور اللعبة وانتشارها في أوساط المصريين كان متوازيًا مع تنامي الحس القومي وبدء تكوين تيار وطني يسعى للاستقلال، ومع بدء تكوين الأندية الاجتماعية ذات الخلفية الوطنية وعلى رأسها “النادي الأهلي”، تجلى الهدف أمام الجميع بهزيمة المستعمِر في لعبته، وكانت تلك اللحظة عندما هزم نادي الزمالك المصري فريق الجيش البريطاني بمنزلة نصر قومي، وكان ذلك بعد عام فقط من ثورة 1919 م، دليلًا على مستوى الشعور الوطني وتزايد الحماس الجمعي ضد الاستعمار.
مع هذا الوضع الاستراتيجي وجدت القوات البريطانية بكثافة في أثناء الحرب العالمية الأولى في مصر، وبالفعل كانت الثقافة الرياضية البريطانية قد انتشرت منذ مدة في مناهج التعليم المصرية، وكانت هذه هي الفرصة للمصريين ليضيفوا اللمسات الأخيرة على أسلوبهم، وأصبحوا جاهزين لممارسة اللعبة في مستوياتها الأكثر تنافسية، وأثبت الفراعنة أنفسهم في المناسبات الدولية التي شاركوا فيها، إذ كانوا أول منتخب إفريقي يشارك في كأس العالم، وقدموا مستويات تُجاري المنتخبات الأوروبية، كما بذل الإداريون المصريون جهودًا كبيرة في تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، ومن المثير أيضًا تزامُن إنشائه مع صعود الحركات الاستقلالية في جميع أنحاء إفريقيا.
زاد هذا الاطراد بين الرياضي والسياسي في الثورة المصرية عام 2011 م، إذ تفاعلت معها جماعات الألتراس واستخدموا أساليبهم في التشجيع خلال الاحتجاجات في الميادين، فقد بنى هؤلاء المشجعون حبهم لأنديتهم على أساس تراثها القومي ومناهضتها ضد الاستعمار، وبالفعل كانت اللعبة قبلهم سياسية طوال تاريخها، وقد رآها أسلافهم بنفس الطريقة واستخدموها للمطالبة بالاستقلال ودعم الحركة القومية، ولذلك عندما نتساءل عن المستوى المتدني للكرة المصرية فعلينا أن ننظر إلى الواقع السياسي، حينها سنتفهم الوضع.
الفكرة من كتاب الإمبريالية والهوية الثقافية وكرة القدم: كيف أنشأت الإمبراطورية البريطانية الرياضة الوطنية المصرية
نشأت كرة القدم في البداية وسيلة للحفاظ على اللياقة البدنية والمساعدة على الانخراط وسط الفريق واللعب الجماعي، كانت هذه الأفكار نابعة من حركة “المسيحية القوية” التي سيطرت على الكنائس والأوساط التعليمية داخل إنجلترا في بداية القرن التاسع عشر، أصبحت كرة القدم بعدها رمزًا بريطانيًّا ووسيلة لنشر ثقافتها، يشرح الكاتب كيف تأثر السكان الأصليون بهذه الرياضة تحت الاستعمار البريطاني، وكيف اتخذت أبعادًا أخرى سياسية بعد ذلك.
مؤلف كتاب الإمبريالية والهوية الثقافية وكرة القدم: كيف أنشأت الإمبراطورية البريطانية الرياضة الوطنية المصرية
كريستوفر فيرارو: باحث بقسم التاريخ في كلية الآداب جامعة سانت جون في نيويورك، حصل على الدكتوراه في هذه الأطروحة تحت إشراف الأستاذ الدكتور مايرسيو بوريرو، المتخصص في التاريخ الاجتماعي الرياضي، وقد استعان أيضًا بالدكتور كونراد تيششير المتخصص في التاريخ الإفريقي، وبالدكتورة نيرنا ريستمجي الباحثة في شؤون الشرق الأوسط ليخرج لنا هذا الكتاب.
عن المترجم:
وليد رشاد زكي: أستاذ مساعد في علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
له العديد من المؤلفات، منها:
المواطنة والتمكين في العصر الرقمي.
رأس المال الاجتماعي عبر المجتمع الافتراضي: مقومات البناء ومعوقات الإهدار.