كغيرها تحتاج إلى التوازن!
كغيرها تحتاج إلى التوازن!
وفي الحقيقة قد نحتاج في البداية إلى تصحيح عدة مفاهيم تم تشويهها كنظرتنا إلى الشفافية، وهي كغيرها تحتاج إلى اتزان إذ يؤدي تطبيقها المُطلق إلى خطر كبير، إذ إن الإنسان في نفسه لم يمتلك هذه الشفافية المُطلقة ويظل طوال عمره يبحث عن نفسه وذاته الخفية، وهنا نصل إلى أن توازن الشفافية وافتقاد بعضها هو ما يجعل العلاقات على قيد الحياة بالفعل.
يظن البعض أن الشفافية هي الأمر اللازم لما يخصُّ الفساد وحرية المعلومات، لكنه تعريف غير كامل، فالشفافية بشكل أوضح ما هي إلا نظام قهري اجتاح جميع العمليات الاجتماعية كما نرى في وسائل التواصل التي أصبحت تجبرنا على الموافقة على إتاحة معلوماتنا لتقديم الخدمة، مهما كان الفرد منا، وهنا تكمن صفة الشفافية الشمولية، وقد تتساءل ما ناتج ذلك؟ ببساطة تجد الناتج في تحول ذلك العالم الذي أصبح يتكون من المعلومات فحسب إلى عالمٍ آليّ، فالشفافية التي أصبحت مُلزمة حولت الإنسان إلى عنصر وظيفي داخل النظام، وهذا هو الجانب السلبي للشفافية المطلقة، والأمر ببساطة هو أن الضوء الشديد يؤدي إلى الاحتراق، ألم تلاحظ أن الشيء الوحيد شفاف المعلومات بالكامل هو الآلة!
وإذا لاحظنا بشكل أكثر سلبيات الشفافية المطلقة فإننا نجد افتقارها إلى الحساسية التي تعني احترام الآخر، كما تعني الاهتمام بقيمة العاطفة، والمساواة التي تعني الاعتراف بالخصوصية، وإننا نجد كذلك أن العلاقات الشفافة بالكامل هي علاقات ميتة، افتقرت إلى عامل الجذب والاستمرارية، وقد حاول من له مصلحة في تبنِّي الشفافية أن يربطها بالمجتمع العصري والتنوير.
الفكرة من كتاب مجتمع الشفافية
“أعيش فقط على ما لا يعرفه الآخرون عني”، هكذا يقول الأديب بيتر هاندكه، ، ثم نرى المفكر نيتشه يدعو إلى ضرورة امتلاك الإنسان لإرادة الجهل، حتى ولو بهدف اتخاذ القرار الأفضل، ولكن أي جهلٍ يقصده هنا؟ وما علاقة كل هذا بالشفافية التي أصبحت عنوان عصرنا الحالي حيث ينكشف هذا المقدار الضخم من المعلومات أمام وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة، وأصبح البشر فيه كالزجاج الشفَّاف يتجرَّدون شيئًا فشيئًا من صفاتهم المُثلى! هذا ما يوضحه الكاتب في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مجتمع الشفافية
بيونغ تشول هان Byung-Chul Han: فيلسوف وكاتب، وُلِد في كوريا الجنوبية، يعمل أستاذًا في جامعة برلين للآداب، تُظهر أعماله تأثره الكبير بمدرسة فرانكفورت، وهي مدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفية النقدية في مدينة فرانكفورت الألمانية.
ومن أهم أعماله:
إنقاذ الجمال.
ما هي السلطة؟
طوبولوجيا العنف.