“في هذا الزمان تعيش”.. ساموراي ناجٍ من الخراب
“في هذا الزمان تعيش”.. ساموراي ناجٍ من الخراب
سماوات مخضبة بالأحمر، وأراضٍ قاحلة حلت عليها لعنة البشر، وصرخات تأتي من الجهات الأربع، هذا هو العالم الذي وُلد فيه ميازاكي حين كانت اليابان قادرة على إشعال الحروب ورد الضربات، كان ذلك الزمن الذي سحرت فيه التكنولوجيا عقول البشر، ونزعت بهم إلى حروب لا تزال تحمل أكثر النعوت وحشية في تاريخنا، شهد ميازاكي الدمار الساقط من السماء، ورأى الأطلال في كل بقعة من بلاده، وكل ذلك القدر من الدمار المادي تداخل في قلوب اليابانيين ورسب حزنًا وحسرة على الأرواح والدماء التي هدرت، فتخلت اليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية عن تقاليدها العريقة، وعن المشاركة في حروب المستقبل، لم تكن هناك فرصة للانتقام أو لرد الصاع لإمبريالية الرجال البيض، لكن يمكن دائمًا التوجه للعالم والصراخ بأعلى صوت.
وسط ذلك الرماد كانت العديد من جمرات الإبداع تستعر، وقد تعلم اليابانيون من الأجداد أن القصص والذكريات هي طريقتنا لمجابهة آلام العالم، ومن هنا شيد ميازاكي عالمه الخيالي، عالمًا لا يخلو من اللعنة، ويضع الأبطال دائمًا في مواجهة النهاية، تتحد الطبيعة مع البشرية في الوقوع تحت الخطر، وفي هذا المنظر المتشح بدرجات الأسود يظهر الجمال فجأة، يومض ثم تحل الكارثة مرة أخرى، إنها ثقافة يابانية أصيلة تترقب النهاية طوال الوقت، لكن ميازاكي لا يستسلم، ولا يقف أبطاله مكتوفي الأيدي.
ظلت عقدة الأمان وسط الحرب، والرفاه الذي عاشت فيه عائلة ميازاكي يمثل عُقدة للابن المرهف، صرخات النجدة التي رافقت عرباتهم الهاربة من الويلات والهجمات تطارده وتسائله، وظل ميازاكي حاملًا لتلك الذكرى، فرغم طفولته وقت الحرب، لكن من المفترض أن يحمل الأطفال ضميرًا نقيًّا وذهنًا خاليًا ولسانًا يقول ما يخطر على البال، لكن هل كان بوسعه إيقاف العربات ونجدة أولئك المساكين؟ هذا سؤال تقتبسه أفلام ميازاكي دائمًا، ويجيب عنه أبطاله الأطفال برضا، إنهم يجابهون المأساة ويبشرون بالأمل.
الفكرة من كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
تعارف الجمهور واتفق على وضع أفلام الرسوم المتحركة بمنطقة قريبة من الهزل وبعيدة عن الواقع وجديته، إذ تسيطر عليها موضوعات يغلب عليها طابع البطولة الخيالية، ويقصد معظمها فئات عمرية بعينها، حتى أفلام الأنمي اليابانية التي اقتربت ولو قليلًا من متاعب العالم، لم تكن جدية بما يكفي ولم يكن أبطالها على ذلك القدر من التعقيد والتركيب البشري، لكن ميازاكي الذي أتى من عالم القصص المصورة و مجلات المانغا، لم يوافق على تطويع فنه وملامحه ليوافق الشاشة والجماهير، بل نقل هذا العالم المعقد والمليء بالمشاعر والسريالية إلى التليفزيون وفق رؤيته الخاصة.
وقد ظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لمخرج أفلام متحركة أن يكون مبدعًا وتتساوى أفكاره وعالمه الخيالي بمبدعي الأفلام الواقعية؟ أجاب ميازاكي على هذا السؤال حتى قبل حصوله على الأوسكار، حين مزج في عالمه الخيالي بين مشكلات الواقع وأمل البشر في مستقبل أفضل، لقد أعطى جمهوره شيئًا فقدوه ثم نسوه.
مؤلف كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
سوزان جاي نابير: معلمة ولغوية أمريكية، ولدت سوزان عام 1955 م بكامبريدج في الولايات المتحدة الأمريكية، أكملت دراستها الجامعية بجامعة هارفارد حيث أتمت دراستها العليا كذلك، عملت سوزان في جامعة لندن، ومحاضرةً زائرةً في جامعة هارفارد، من أهم أعمالها:
Anime from Akira to Howl’s Moving Castle: Experiencing Contemporary Japanese Animation
From Impressionism to Anime: Japan as Fantasy and Fan Cult in the Mind of the West
The Fantastic in Modern Japanese Literature: The Subversion of Modernity
معلومات عن المترجم:
أحمد الزبيدي: كاتب وأديب ومترجم عماني، ولد عام 1945 م بمدينة ظفار في سلطنة عمان، وعاش طفولته متنقلًا بين عديد الدول العربية بغرض الدراسة، وتوفي عام 2018 م، من أهم أعماله:
سنوات النار.
امرأة من ظفار.
ترجمة رواية عامل المناخ.
ترجمة كتاب حروب وأساطير من معركة مجدو إلى سقوط روما.