عودة الصبي إلى الشيخ!
عودة الصبي إلى الشيخ!
لقد عرف التاريخ الإنساني المراجعات الفكرية في كثير من محطات الحياة ومنعطفات التاريخ، فتجد مراجعة سحرة فرعون لإيمانهم بألوهية فرعون بعد أن تجلَّت لهم الحقائق على يد نبي الله موسى (عليه السلام) بإذن الله، كما راجع الوثنيون من العرب ما هم عليه من ضلال فآمنوا برسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) فكانوا حملة الرسالة الإلهية للعالم كله، والإمام أبو الحسن الأشعري راجع أصول الاعتزال بعد أن كان معتزليًّا، وفي النصف الأول من القرن العشرين الذي عاش فيه الدكتور طه حسين راجعت رموزٌ فكرية كثيرة أيديولوجياتها ومذاهبها الفكرية من تغريب وعلمانية فصاروا أعلامًا للفكر الإسلامي كالعقاد ومحمد حسين هيكل وخالد محمد خالد وغيرهم، وكان طه حسين -مؤلف الكتاب- واحدًا من أولئك الذين راجعوا أفكارهم، كما يُحدثنا الدكتور محمد عمارة في تقديمه للكتاب، إذ ينقل عنه وصفًا لرحلته إلى الحج سنة 1995م فيقول عنها إنها: “تلبية لدعوة آمرة من خارج النفس! عادت فيها النفس الغريبة إلى وطنها بعد غُربة طويلة جدًّا، وهي مُدركة لما بين الله وبينها من حساب عسير وراجية من الله أن يجعل من عسره يسرًا”!
جاء كتاب “مرآة الإسلام” بعد أربع سنوات من الإياب الروحي للدكتور طه حسين فراجع كل ما قد سبق أن أثار الجدل به، ففي هذا الكتاب عبَّر عن إيمانه المبني على العقل والنقل والوجدان جميعًا بعد أن كان يأخذ بقول أبي العلاء المعري أنه ما من إمام سوى العقل! وبعد أن كان يرى في كتبه القديمة أسطورية عقيدة رفع إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) لقواعد البيت العتيق، فنجده ينقض كلامه ويقر بها في تفسيره لآية من القرآن، ونجده يُكثر من الصلاة والسلام على النبي (صلى الله عليه وسلم) ويترحم على صحابته الكرام بعد أن كان منه ما كان إذ خاض فيهم، وكذلك ينتقد فلاسفة المسلمين الذين سلكوا مسلك المغالاة في الفلسفة اليونانية بعد أن كان هو نفسه واحدًا من المنبهرين بها بشدة، كما رفض قيام الحياة على أساس المنفعة وحدها بدلًا من قيامها على الدين واللغة، فدعا في كتابه إلى وحدة المسلمين على أساس دينهم من جديد.
الفكرة من كتاب مرآة الإسلام
يمر عالمنا العربي المعاصر بمرحلة ركود طويل حاول معها رواد الفكر وأعلام النهضة أن يخرجوا بأمتهم من ذلك الركود مرارًا، واختلفت المسالك والمناهج في ذلك واضطربت الأقدام وتعثَّرت الخطوات، ومن بين أولئك الذين حاولوا استنهاض الهمم للحاق بركب الأمم الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، وكانت كتاباته تثير جدلًا واسعًا حتى شهدت حياته حدثًا فريدًا ومختلفًا غيَّر من بوصلته ووجهته، فما ذلك الحدث؟ وما الذي دعا إليه طه حسين؟
يجد القارئ في كتاب “مرآة الإسلام” عرضًا مكثفًا للسيرة النبوية ولأصول الدين ممزوجًا بعبارات اعتبرها البعض مراجعة فكرية لطه حسين وإيابًا روحيًّا له.
مؤلف كتاب مرآة الإسلام
الدكتور طه حسين: ولد بمحافظة المنيا بصعيد مصر سنة 1889م، وفقد بصره في سن مبكرة، وتتلمذ على يد شيوخ الأزهر الشريف، ثم التحق بالجامعة المصرية الأهلية سنة 1908م، وكان سفره إلى فرنسا سنة 1914م، ثم رجع إلى مصر سنة 1919م، وتُوفِّي أول يوم عيد الفطر، الثامن والعشرين من أكتوبر سنة 1973م، ومن مؤلفاته: “الأيام”، و”التوجيه الأدبي”، و”مستقبل الثقافة في مصر”.