عدم التواصل مع الأهل والانتحار داخل السجون

عدم التواصل مع الأهل والانتحار داخل السجون
تُعد الزيارات المنتظمة من الأهل والأصدقاء للسجناء في محبسهم من أهم الأشياء التي تمكنهم من الاحتفاظ باستقرارهم الانفعالي وتحمل مُدة عقوبتهم، وعند المقارنة بين سجين ليس له تواصل مع الأهل والأحباء وآخر يحظى بزيارات أسبوعية، فإن الأخير سوف يكون أكثر توازنًا، وسوف يتمتع بقدر أكبر من الرضا والقدرة على المحافظة على سلامته العقلية والنفسية خلال مدة عقوبته، أما الأول فسيتعرض لانهيارات انفعالية واضطرابات عقلية. وتشير الدراسات إلى وجود علاقة وثيقة بين موضوع الزيارات وعودة المدان مرة أخرى إلى السجن بعد إطلاق سراحه، ومن ثم ليس من الحكمة حرمان السجناء من أسرهم وأحبائهم لما في ذلك من فائدة كبيرة للسجناء وتخفيف الشعور بالجنون واليأس لديهم.

ومع بحث المؤلف في تواريخ السجناء الذين أصيبوا باضطرابات عقلية مثل الذهان أو الذين انتحروا، اكتشف أن السبب راجع إلى انفصالهم عن أحبائهم وأسرهم، مما أدى إلى انهيارهم. وواحد من الأسباب العديدة التي تمنع الأهل والأحباء من زيارة ذويهم في السجن، هو بُعد السجن، مما يُصعِّب على من في الخارج زيارة السجين باستمرار. تذكُر إحدى السجينات أن رؤيتها لأبنائها كل أسبوع في أوقات الزيارة تجعلها تشعر بالراحة بعد أن تلقاهم وتطمئن عليهم، لكن عندما أصبح من الصعب رؤيتهم بانتظام بدأت تشعر بالقلق والخوف عليهم، هذا إلى جانب الكوابيس التي تراودها في أحلامها، وهو ما يدفعها إلى احتقار نفسها بوصفها أمًّا، لذا إذا كان هدف المؤسسات العقابية مساعدة السجناء على أن يكونوا مواطنين مسالمين ملتزمين بالقانون، فمن غير المعقول التضييق عليهم في الزيارات لما في ذلك من نتائج عكسية.
ومن الأوبئة التي تنتشر في السجون وباء “الانتحار” وإقدام السجناء على قتل أنفسهم بسبب درجة الاكتئاب التي وصلوا إليها، ومن النتائج المدهشة التي وُقِفَ عليها، أن نصف حالات الانتحار تحدث في خلال فترة “الحبس الاحتياطي”، أي خلال الساعات والأيام الأولى من الاعتقال، لأن السجين يواجه صدمة الاعتقال والحرمان من الحرية والاحتمال المخيف لقضاء عمره خلف القضبان. وإلى جانب حالات الانتحار الواضحة توجد حالات أخرى تُعرف بـ”الانتحار الخفي”، ويلجأ إليه السجناء لعدم رغبتهم في أن تعيش أسرهم مع خزي انتحارهم، ومن وسائله الإقدام على عملية هروب متهورة، وهم على علم بأن حرَّاس السجن سيطلقون النار عليهم، أو يثيرون شجارًا مع عضو في عصابة وهم يعلمون أنه سيقتلهم، وهذه الحالات رغم أنها في الواقع انتحار، فإنها لا تسجل كذلك.
الفكرة من كتاب الجنون في غياهب السجون: أزمة الصحة العقلية خلف القضبان ودورنا في مواجهتها
يرى المؤلف أن وظيفة السجون هي الإصلاح، لكن الواقع يقول إن السجون لم تعُد تسعى إلى إصلاح السجناء، كما أنها لا تمنحهم احتياجاتهم الأساسية، ولا تمنح الضعفاء منهم الحماية اللازمة، هذا إلى جانب ما تفرضه السجون من قيود بلا داعٍ وعلى نحو مذل على السجناء العاقلين أو المصابين باضرابات عقلية خفيفة، مما يدفعهم في الغالب إلى الجنون، ويضرب المؤلف أمثلة عديدة على تأثر السجناء سلبيًّا نتيجة الإهمال والقسوة والأخطاء العلاجية من خلال قدرته على دخول السجون بحرية والتواصل مع السجناء دون قيود، ليعرض لنا أنواع الاضطرابات العقلية التي تتولد داخل السجون، والتي تزيدها السجون فيصاب السجين بالجنون.
مؤلف كتاب الجنون في غياهب السجون: أزمة الصحة العقلية خلف القضبان ودورنا في مواجهتها
تيري كوبرز: طبيب نفسي، ويعمل مدرسًا في كلية الدراسات العليا لعلم النفس بمعهد رايت في بيركلي، وهو زميل الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين ورئيس جمعية إيست باي للطب النفسي. من مؤلفاته:
Revisioning men’s lives
solitary: the inside story of supermax isolation and how we can abolish it
معلومات عن المترجمة:
أميرة علي عبد الصادق: مترجمة مصرية، تخرجت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن جامعة عين شمس، عملت بعد تخرجها في مجال الترجمة والتعريب، كما عملت مع عدد من دور النشر. من ترجماتها:
الدرجات الست وأسرار الشبكات.
الهندوسية مقدمة قصيرة جدًّا.
السرطان مقدمة قصيرة جدًّا.
الطرق على أبواب السماء.