طبيعة الحزن
طبيعة الحزن
إن الحزن مزيج من الانفعالات البدنية والوجدانية والعقلية، فهو عملية طويلة تتغيَّر بمرور الزمن، وليس حالة عقلية فريدة، وتتطابق النظريات التي تتحدث عن مراحل الحزن، وركزت معظم الدراسات والأبحاث على حالات الفقد، إذ يمثل موت أحدهم صدمة لأحبائه، وعبر عالم النفس والحلل الشهير سيجموند فرويد عن رأيه في الحزن ومدى تعلق الإنسان بالآخر، سواء كان الآخر إنسانًا مثله أو بلدًا أو فكرة، وبفقدان هذا الشيء يسقط الإنسان في بحر معاناة هائج، وقد ينتهي به الأمر إلى الإصابة بمرض نفسي سماه (مالنخوليا) أو (الحزن الشديد)، وأعتقد فرويد أن الحزن يفيد في فصل المرء عن ذكرياته مع من فقده.
وكان لدراسات طبيب نفسي يُدعَى “كولين موراي باركس” أثر كبير في التعرف على طبيعة الحزن، وقد صاغ نظرياته الأساسية بعد دراسة سلوك مجموعة من الأرامل بعد موت أزواجهن مباشرة، وتوصَّل إلى تحديد أربع مراحل للحزن، فالمرحلة الأولى هي مرحلة تلقِّي الصدمة التي تسودها انفعالات الإنكار، ثم يأتي الافتقاد والحنين في المرحلة الثانية التي قد يشعر فيها المرء بالغضب والذنب، وتتسم المرحلة الثالثة بالتشويش واليأس فيعاني المرء الوحدة والخوف والعجز، ويستعيد الأسير توازنه في المرحلة الرابعة بعد تقبُّله للأمر.
وأوضح الدكتور باركس أيضًا أن عناصر الحزن نفسية ووجدانية، فغالبًا ما يصاب صاحب الحزن بانقطاع النفس وخمول الأطراف ونوبات الصرع وتغيير أنماط الأكل، وهناك دراسات أخرى رأت أن باركس أعطى اهتمامه كاملًا بمشاعر الفقد فقط دون الاهتمام بفائدة عملية التأقلم الضرورية لعملية الشفاء، وأن أفضل وسيلة للشفاء هي تمسك المرء بالذكريات، لا بالانفصال عنها، أما الأكاديمي الأمريكي ويليام وردن فوجد أن فكرة مراحل الحزن سلبية جدًّا، حيث يصوِّر الحزن بوصفه عملية نشطة تتحقَّق من خلالها فوائد روحية وأخلاقية، وذكر أربع مراحل هي: قَبول واقع الفقد، والمعاناة على آلام الحزن، والتكيف مع الواقع، وأخيرًا التغلب على مشاعر الحزن والمضي قدمًا في الحياة.
الفكرة من كتاب العيش رغم الفقد والألم
يبدو في بعض المجتمعات أن أفرادها يجدون صعوبة في مواجهة الجانب المتعلق بالفقد والحزن، حيث إنهم لم يعتادوا العيش في ظل الألم والمرض والموت والكوارث، وعلى العكس يبذلون قصارى جهدهم لتجنُّب الحزن والتركيز على السعي وراء السعادة والمصالح المادية وتحقيق الذات، ويتعاملون مع مشاعر الفقد والحزن على أنها طارئة تشذ عما هو طبيعي.
يأتي هذا الكتاب ليساعدنا على جعل مفهوم الحزن طبيعيًّا، حتى يستطيع الفرد تقبُّله وفَهمه والتعامل معه عند حدوثه، من خلال تعريف الحزن، وتوضيح الأساليب المعبرة عنه.
مؤلف كتاب العيش رغم الفقد والألم
جوليا توجندات Julia Tugendhat: كاتبة بريطانية ومعلمة وطبيبة نفسية.
لها العديد من الكتب في مختلف المجالات، وتُرجم لها كتابان للعربية وهما “العيش رغم الفقد والألم” و”كيف تتغلب على الأحزان”، فضلًا عن تأليفها بعض الكتب التي تتناول المشكلات الاجتماعية في حياة الطفل والأسرة، منها:
The Adoption Triangle
How to Approach Death
Children at the Battle of Waterloo
My Colonial Childhood in Tanganyika