صلاح الفرد
صلاح الفرد
إن الفرد هو اللبنة الأولى في المجتمع، فما الذي لو أصلحه الفرد انصلح به حاله، ومن ثم صلح مجتمعه؟
قال حكيم: “إن صلاح المرء من صلاح عقله” فإذا صلح العقل صلحت جميع خصال المرء، فالعقل يأتي أولًا ثم تأتي بعده أعمال الجوارح، فقد روي أن أبو عمرة الثقفي قال: “قلت يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال (صلى الله عليه وسلم): قل آمنت بالله ثم استقم”، فقوله آمنت يعني صلاح اعتقاده، ومن ثم يأتي صلاح العمل. إذًا سنبدأ بما يَصلُح به الاعتقاد.
كان الناس وما زالوا يبحثون عن سبب وجودهم، ومن هنا كان انفتاح باب الاعتقاد وهو البحث عن الخالق والصانع، ومنه نتعرف سبب وجودنا في هذا العالم، فلو تأملنا في هذا العالم سنعرف أن سلسلة الأسباب تفضي إلى الله جل جلاله، وهذا الاعتقاد هو أول الركائز الفطرية، فالاعتقاد أو الإيمان هو أساس فكره وحركته، لذا اهتم الإسلام بباب الاعتقاد ووضع أسسًا لصلاحه، فقد فصّل أصناف المشركين وعقائدهم، وبيّن الصحيح منها من الباطل، كما أنه استدعى العقول والأفهام للاستدلال على وجود الله تعالى فقال: ﴿وَفِیۤ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾، فكان حقًّا على المكلف أن يكون أول واجب عليه هو معرفة خالقه.
وقد بيّن الإسلام أوصاف الله تعالى حتى تتشكل عند المسلم صورة صحيحة عن ربه، ومن خلالها يعرف نفسه، لكن قد يتعرض المرء لبيئات فاسدة ومعتقدات ضالة فيعتاد عقله قبول تلك المعتقدات، مما يدفعه إلى عدم معرفة حسنها من قبيحها، ولذا وجب إصلاح التفكير، فالعقيدة تفكُّر في وجود الله وصفاته وصفات رسله، وهو تفكير مبناه سماوي أي من خلال الوحي، لكن يترتب عليه الكثير، فالإنسان لا يتوقف عند هذه النقطة وإنما عليه التفكير في ما تصلح به شؤون حياته في الدنيا والآخرة.
والتفكير يكون عن طريق العقل أو القلب فكما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): “إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” فأراد بصلاح الجسد صلاح العمل.
فبهذا علينا أولًا إصلاح الفكر، وبما أن الناس يتفاوتون في أفكارهم ورغباتهم، فإن على كل امرئ إصلاح فكره في دائرة ما يحتاج إليه من عمل حتى لا يهوى في الخطأ، أما في ما لا يعرفه فيطلب المعونة من أصحاب العلم، فقال تعالى: ﴿فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ فما النواحي الفكرية التي على المرء إصلاحها؟
الفكرة من كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
كيف تُبنى النظم الاجتماعية؟ يعد الحديث عن المجتمع وأسسه من عوامل تقدّم المجتمع وانحطاطه، مما أثار تساؤل الكثيرين قديمًا وحديثًا؛ يتناول البعض البحث عنه من جانب الإنسان وتطوّره، ويتناول البعض الآخر البحث من جانب الحكومات، وما ينبغي توفيره لصلاح مجتمعاتها، لكن هل يدخل الدين في إصلاح هذا الأمر؟ أم أن الدين متعلق فقط بما يعتقده المرء ولا يُرجى منه عمل في الحياة الاجتماعية؟
يحدثنا الكاتب عن الدين بمفهومه الشامل، والغرض منه، من تغييره في فكر المرء وصلاح حاله، ومنه إلى صلاح المجتمع. فما الدين؟
مؤلف كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
محمد الطاهر بن عاشور: عالم وفقيه تونسي، أصل أسرته من الأندلس، ولد بتونس عام 1879م، تعلم بجامعة الزيتونة، ثم أصبح من كبار أساتذتها. تولى منصب القضاء المالكي عام 1911م وارتقى لمرتبة الإفتاء في عام 1932م، واختير لمنصب شيخ الإسلام المالكي، وكان أول شيخ بجامعة الزيتونة. وقد ألف الشيخ في العلوم الإسلامية والعربية، ومن أبرز مؤلفاته:
تفسير التحرير والتنوير.
مقاصد الشريعة الإسلامية.
أصول الإنشاء والخطابة.
موجز البلاغة.