شر ضد البشر
شر ضد البشر
قديمًا كان يصنَّف البشر على أساس البيولوجيا تصنيفًا عرقيًّا، أغلب الحضارات التاريخية تؤمن بتفوُّقها العرقي عن الآخرين، دعمت الداروينية الاجتماعية ذلك، وأعطت نظرية التطور التصنيف بعدًا علميًّا بعد أن كان فلسفيًّا خالصًا، وتغذَّت القومية أيضًا على ذلك.
ثم تشكَّل عالم متمركز حول السوق، ومن تبعات ذلك بحث النظم الاقتصادية عن الترشيد المادي، واعتبار البشر مجرد وحدات إحصائية منزوعة الإنسانية لا قيمة لها إلا إنها تعطينا مؤشرًا حول مقدار جودة استهلاكنا ومعدلات النمو، فعندما يموت الناس جوعًا أو يهاجرون هربًا، تشير الإحصائيات الاقتصادية أن الوضع يتحسَّن.
العجز والمعاناة لا يظهران في الإحصائيات، ولكنهما يعدان وسيلة لجذب الاهتمام بلا شك في عالم تكتسب فيه القوة الأفضلية، وتتجه الأنظار فيه ناحية الضعيف للتعاطف، ولكن عند انتشار الضعفاء في كل مكان، تبدأ حاستنا الأخلاقية الانتقائية في ممارسة عملها واختيار المواقف التي تستحق التعاطف بناءً على مقدار العجز والمعاناة الكافيين لنا.
فالفقر من أشد صور العجز، حتى نظرة العالم إليه تغيَّرت، ففي العصور الوسطى كانت مساعدة الفقراء فرصة لأعمال الخير والتقرُّب إلى الله، ثم في عصر الرأسمالية الحديثة مثَّل الفقراء جيشًا من العمال الجاهزين لإفناء أنفسهم في العمل لقاء معاملة جيدة من مأكل وملبس ومستوى معيشية كافٍ، وانحصر دور الدولة حول تنظيم التقاء رأس المال بالعمال، وأما الآن في دولة الرفاه فلا حاجة إلى الفقراء، فهم زائدون غير مهمين، ولا توجد وظيفة اجتماعية لهم.
الفكرة من كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
ما هو الشر؟ سؤال رغم بساطة صياغته فإنه يمثِّل معضلة صعبة، فلطالما كان الشر مرتبطًا في نظر الأديان والشرائع القديمة بالشيطان وأفعال الإنسان عندما يضل عن طريق الحق، أي أنه كان صلبًا محدَّد الشكل والملامح، تستطيع تمييزه من الخير، وتبعًا لذلك تنقسم رؤية العالم إلى أبيض وأسود، خير وشر، ولكن ماذا نفعل إذا تمَّت إسالة هذه الكتلة الصلبة، وبدأت في السريان والتغلغل في أدق التفاصيل والسلوكيات اليومية؟
هذا ما وصل إليه الشر في عالمنا الحديث، فبعد إنكار وجود الإله سقطت الأخلاق المتجاوزة للمادة وخصوصية الإنسان، واتخذ الشر السائل صورًا متعددة، وأصبح أكثر تأثيرًا في حياة الأفراد والشعوب، فما هي تلك الصور؟ وما طبيعة الشر السائل، وما هو الاختلاف بينه وبين الشر الأخلاقي القديم؟ هل عالمنا يدفعنا إلى الغرق في المزيد من الشر؟ وما البديل الذي أمامنا؟ بل وهل هناك بديل مطروح من الأساس؟
مؤلف كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
زيجمونت باومان: بروفيسور علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، طرد من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، واستقر في إنجلترا منذ عام 1971م، وله عائلة مكوَّنة من ثلاث بنات.
تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، وذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله: “الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”.
ليونيداس دونسكيس: منظِّر سياسي وأستاذ جامعي وفيلسوف، ولد في عام 1962م بليتوانيا، عمل في جامعة فيتاوتاس الكبير ببلاده، وتولى منصب عضو الاتحاد الأوروبي منذ 2009م إلى 2014م، توفي عام 2016م بسبب نوبة قلبية، من أشهر أعماله: كتاب “السلطة والخيال”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وله العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل: “عن الله والإنسان”، و”الحب السائل”.