سلطة الفرد
سلطة الفرد
إن إيكال وضع المعايير والقواعد التنظيمية إلى الأفراد مع تشابه النتيجة المراد الوصول إليها من هذه المعايير، من العلامات المميزة للواقع المعاصر التي كانت تقوم بها سلطة الدولة والشرطة والسلطة العلمية، فكل ما تغير هو أن التدخلات التي كانت تحدث من قبل الدولة لم تعد موجودة، وصار الأفراد أنفسهم مسؤولين عنها، يظهر هذا جليًّا في مجال طب الإنجاب، فالقدرة على إجراء التشخيصات قبل الولادة، وإمكانية التلقيح الصناعي خارج جسم الأم، مَكَّنَتا الأطباء من اكتشاف الأمور الخارجة عن المألوف، والتي قد تتسبب في نشأة أطفال مصابين بأمراض معينة كمتلازمة داون أو التليف الكيسي، وتوصية الزوجين بعدم إكمال الحمل دون التدخل في قرارهما الحر في الإبقاء عليه أم لا
هذا الأمر يحقق برنامج تحسين النسل الذي كانت تسعى إليه الدول الاستبدادية في القرن العشرين، ففي ألمانيا أوصى “ألفريد بلوتس” بإقامة نظام “النظافة العرقية”، وفي عام 1895م حدث للمرة الأولى “التخلص من بعض حديثي الولادة” من أجل تحسين التركيب الجيني الجمعي للشعب، إن الفرق بين ما يحدث في الماضي والحاضر هو الدافع وراء الفعل، فدافع الوالدين يتعلق بإقامة أسرة سعيدة، ودافع الدولة كان تحسين التركيب الجيني، لكن عواقب كلا الفعلين واحدة، فالسلطة التي تُمارَس علينا اليوم لم تختلف عن السلطة التي مُورِسَت في القرن العشرين وما قبله، إلا في التسمية والمدلول المنغرس في نفوسنا عنها، فبدلًا من مصطلح “السلطة التأديبية” بات لدينا مصطلح “السلطة الوقائية أو الاستبطانية”
ويعني ألا تُفرَض أرشيفات تسجيل البيانات والتصورات المعيارية للحياة من قبل مرجعية خارجية، بل تُستَبطَن بصورة جماعية. إن الصيغ المنتشرة بضرورة إنشاء ملف شخصي ونشر معلومات عن الأماكن التي تزورها لم تعد أمرًا مُستنكرًا بشكل جماعي، ولا تُفهم على أنها توجيه بفعل أمر ما، بل أصبحت رغبة يسعى إليها الجميع، لربطها بتنمية الذات وكونها وسيلة للتحرر من قيود مؤسسات الدولة، هذه الذات التي أصبحت مرتبطة بصورتنا المُتداولة عن طريق الوسائط الإلكترونية، والتي علينا أن نتأكد من كونها جذابة بصورة متواصلة.
الفكرة من كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
نعيش اليوم في عصر مليء بالاختراعات التي لم نُفكر يومًا “من أين أتت؟ وماذا كان الهدف من وجودها؟ وهل حقًّا علينا التخوف من التقدم السريع للتكنولوجيا الذي يؤدي إلى وجود سلطة “الأخ الكبير”، التي ذكرها الكاتب جورج أورويل في روايته “1984”، أم علينا أن نستمع إلى الدعوة القائلة إن سلطة المراقبة انتهت بنشأة الثقافة الرقمية؟”.
هذه الأسئلة والمخاوف نجدها في كتابنا، إذ يقدم إلينا الكاتب الحقيقة حول التقدم التكنولوجي السريع، وحقيقة السلطة الرقابية التي يتعرض لها الجميع.
مؤلف كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
أندرياس برنارد: أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة لوفانا في لونبورج بألمانيا، ورئيس مركزها للثقافات الرقمية، درس النقد الأدبي والدراسات الثقافية في ميونيخ، وكان مساعد باحث في جامعة باوهاوس فايمار وفي جامعة كونستانس، مهتم بالتأليف في تاريخ الاختراعات، ومن كُتبه:
“Lifted: A Cultural History of the Elevator”
“Theory of the Hashtag”
معلومات عن المترجم:
سمر منير: مترجمة لها ترجمات عديدة في مختلف المجالات، منها:
كتاب “الشاي: ثقافات – طقوس – حكايات” لكريستوف بيترز.
رواية “ف. و. م. و. Fear Of Missing Out” لألموت تينا شميدت.