دوام إصلاح الفرد
دوام إصلاح الفرد
لقد جمع الإسلام نواحي إصلاح الفكر في عدّة محاور،وهي:
إصلاح العقيدة؛ بأن يفكر المرء في معتقده ومن أين يتلقاه، وإصلاح الشريعة، فأحكام الشريعة مبناها جلب المصالح ودرء المفاسد، وإصلاح العبادة، فيدرك أن العبادة تعود عليه بالنفع، ولا تعود على المعبود -الله عز وجل- بنفع ولا ضر، وإصلاح الفكر بتحصيل النجاة في الدنيا والآخرة، فلم يجعل الله سعادة المرء الأخروية مبنية على الحظ أو النسب أو البلد، بل جعلها متعلقة بفعل المرء في دنياه فقال تعالى: ﴿فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُ﴾، ومن ثم التفكير في الأحوال العامة للعالم، فيتعظ المرء من أحوال الأمم السابقة ويدرك أسباب هلاكها ونهوضها.
وأخيرًا التفكير في مصادفة العلوم للحقيقة، فلا يجعل العلوم تابعة لأهوائه بل يجعل العلم والحق رائدين في القول والعمل وإن خالفا هواه، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱلله﴾، فإذا اهتم المرء بإصلاح تفكيره من تلك النواحي استطاع إصلاح عمله، وحاصل معنى إصلاح العمل ألا يكون هذا العمل مفضيًا إلى مفسدة أو إضاعة مصلحة، وحيث كانت النفس والعقل هما الدافعان للبدن إلى الأعمال، كانت تزكية النفس من أهم ما دعا إليه الإسلام، فالأعمال البشرية قسمان: نفسي، وبدني.⁹
فالنفسي أعمال القلب والأخلاق والضمائر، فعلى المرء أن يحاسب نفسه حتى يصل إلى ترويضها فيتطلع إلى كمالها، فقد قال تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾، وعليه مقاومة قوى النفس الشهوانية والغضبية وأن يتحلى بالإخلاص وحسن النية والإحسان والصبر، فهو من أهم الصفات والتدرب عليه هو وسيلة النجاة، لأنه يفيد في تربية إرادة النفس مما يدفعها للسعي لبلوغ كمالها.
ولا تكون الصفات محمودة إلا إذا أحسن صاحبها وضعها في موضعها، فقد يخطيء الناس أحيانًا في وضع هذه الصفات في غير موضعها، كما فعلوا مع خصلتي التوكل والرضا بقضاء الله وقدره، فقد توهموا أن معنى الخصلتين هو الاستسلام والفشل والقعود عن العمل، بينما معنى التوكل أن يكون التوكل على الله أدبًا في ابتداء العمل، ويكون الرضا بالقضاء والقدر أدبًا في نهايته، وهذا تحقيق قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسْرٌ لمَِا خُلِقَ لَه» والتيسير يعني الاستطاعة والكسب. ومن ثم ينشأ في النفوس السعي للكمال بما تمتلكه بقواها وأفعالها، ويُطلب الكمال بما يتجاوز قواها من الله تعالى.
أما الأعمال البدنية فهي تابعة للعقل والاعتقاد تأتمر بأمره، فيكون صلاح الأعمال البدنية بالوقوف على حدود الشريعة فيها، ومن الأشياء التي تعين على صلاح العمل وتيسيره، النظام والتوقيت والدوام وترك الكلفة والمبادرة والإتقان،والآن نأتي إلى دور الفرد في تعامله مع غيره، ومجتمعه.
الفكرة من كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
كيف تُبنى النظم الاجتماعية؟ يعد الحديث عن المجتمع وأسسه من عوامل تقدّم المجتمع وانحطاطه، مما أثار تساؤل الكثيرين قديمًا وحديثًا؛ يتناول البعض البحث عنه من جانب الإنسان وتطوّره، ويتناول البعض الآخر البحث من جانب الحكومات، وما ينبغي توفيره لصلاح مجتمعاتها، لكن هل يدخل الدين في إصلاح هذا الأمر؟ أم أن الدين متعلق فقط بما يعتقده المرء ولا يُرجى منه عمل في الحياة الاجتماعية؟
يحدثنا الكاتب عن الدين بمفهومه الشامل، والغرض منه، من تغييره في فكر المرء وصلاح حاله، ومنه إلى صلاح المجتمع. فما الدين؟
مؤلف كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
محمد الطاهر بن عاشور: عالم وفقيه تونسي، أصل أسرته من الأندلس، ولد بتونس عام 1879م، تعلم بجامعة الزيتونة، ثم أصبح من كبار أساتذتها. تولى منصب القضاء المالكي عام 1911م وارتقى لمرتبة الإفتاء في عام 1932م، واختير لمنصب شيخ الإسلام المالكي، وكان أول شيخ بجامعة الزيتونة. وقد ألف الشيخ في العلوم الإسلامية والعربية، ومن أبرز مؤلفاته:
تفسير التحرير والتنوير.
مقاصد الشريعة الإسلامية.
أصول الإنشاء والخطابة.
موجز البلاغة.