بزوغ الفرد وضبابية الحرية
بزوغ الفرد وضبابية الحرية
كما تمثِّل العلاقات الاجتماعية الأولية قيودًا بالنسبة للفرد، فهي أيضًا توجِّهه وتنقل الخبرات الإنسانية المختلفة عبر تشعُّباتها، ويستطيع الفرد التعرف على نفسه وإدراك ذاته والعالم من خلالها، فبدايةً من طفولته مرورًا بمراحل نموه المختلفة، كانت تلك الروابط تسهِّل عليه التغيرات الجسمانية والانفعالية والذهنية التي تصيبه، وبفقدانها وجد الفرد نفسه لأول مرة في مواجهة العالم الكبير بمفرده، ما أدى إلى سيطرة القلق وشعور العجز.
ومع ازدياد سعة الهوة بين الحرية السلبية والإيجابية تزداد معاناته، وتصبح الحرية بهذا المعنى عبئًا يريد التخلُّص منه عند أقرب فرصة، ويذهب بقدميه يقدِّمها قربانًا لسلطة جديدة يخضع إليها، تنجح في منحه المعنى والأمان الذي يبحث عنه، بالإضافة إلى فقدانه الإيمان الحقيقي الغيبي بأي إله، ووقوعه تحت سلطات باطنية جديدة كالرأي العام والحس الجماعي المشترك والعلم الطبيعي.
حفزت مبادئ الاقتصاد الرأسمالي الثلاثة؛ النشاط الفردي وغائية النمو الاقتصادي وتراكم رأس المال، شعور الإنسان الحديث بالعجز والشك في قدراته، حتى أوصلته إلى إنكار ذاته والانغماس في آليات السوق وتحوُّله إلى مجرد ترس دوَّار في آلة كبيرة تخدم أهدافها الخاصة، وهو يسيطر عليه وهم أنه يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة مدفوعًا بمصلحته الذاتية، بينما قد زُرعت تلك الأهداف داخله عبر تكرارها.
انعكست تلك الرؤية على العلاقات الاجتماعية فأفسدتها، محوِّلة كل علاقة إنسانية إلى أداة لتحقيق ربح أكثر لمزيد من الشعور بالأمان، ما أدى إلى اغتراب الفرد بنفسه عاجزًا عن فهم مشاعره الحقيقية، خاضعًا لنمط آلي من العمل الوظيفي، وحتى عندما يلعب دور المستهلك فإنه يشعر بفقدان الكرامة بسبب أن آلة الدعاية تخاطب غرائزه وعواطفه فقط دون الاتجاه نحو عقله أو حتى الاهتمام بشخصيته كفرد بعيدًا عن المجتمع ككل.
وحتى دوره السياسي كناخب مصوِّت، يحاول المرشحون دائمًا تضليله وشراءه، وهو يعجز عن تفنيد كل المرشحين أو حتى أغلبهم، ما يزيد الحيرة والشك وعبثية سلوكه.
الفكرة من كتاب الخوف من الحرية
تعدَّدت المؤلفات التي تناولت الحرية كأقدم إشكالية حاولت الفلسفات المختلفة الإجابة عنها، فهل هي حق مكتسب فطريًّا بولادة الإنسان؟ وما أنواعها وحدودها؟ وكيف يتنازل كثير من الأفراد عن حريتهم ويقدِّمونها قربانًا ليخضعوا لسلطة ما؟ والأهم ما معنى الحرية بالنسبة للإنسان الحديث؟
مؤلف كتاب الخوف من الحرية
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية، وعانى كثيرًا في طفولته، وفي عام 1922م نال الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل في مصحَّة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوَّجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
يركِّز فروم في أفكاره على تحليل ووصف وانتقاد الظروف السيكولوجية والاجتماعية وما يتقاطع معهما من ظروف اقتصادية وسياسية تشكِّل الإنسان الحديث وطبقات المجتمع، ويعدُّ “جوهر الإنسان”، و”المجتمع العاقل”، و”الخوف من الحرية” من أفضل كتبه.
معلومات عن المترجم:
مجاهد عبدالمنعم مجاهد: صحفي ومترجم مصري ولد في القاهرة عام 1934م، حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وتدرَّج في العمل الصحفي حتى أصبح نائبًا لرئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وأصبح خبيرًا ثقافيًّا بجريدة الأهرام المصرية، ألَّف العديد من الكتب في الفلسفة وعلم الجمال والنقد الأدبي، وترجم كتبًا أخرى أشهرها لفروم مثل “فن الحب”، و”الخوف من الحرية”، تُوفِّي عام 2021م.