الكُل لأجل الفرد، والفرد لأجل الكُل
الكُل لأجل الفرد، والفرد لأجل الكُل
إن الإنسان مخلوق اجتماعي بالفطرة، لذا لم تكن القيم الفردانية مُحقِّقة بشكل كبير غايات النيوليبرالية، وبالتالي يُمكن التأثير في الخيارات الفردية من خلال الحس الاجتماعي، فالإنسان له مشاعره وعواطفه التي تتأثر بالجماعة، والتي متى تم توجيه الجماعة؛ اتجه الفرد.
فها هي سيكولوجيَّة جديدة تجعل الإنسان يشعر بالانتماء، فتتقدَّم حملات إعلانية لتشكرك أو تُشعِرك أنك جُزء منها، أو تصوُّر لحظات السعادة الجماعية كناتج طبيعي لها.
ولكن الخدعة الأكبر الذي يفعلها علم الاقتصاد السلوكي هو كيفية استدراج الأفراد إلى مشاركة الرسائل والإعلانات التجارية الإيجابية فيما بينهم، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لأن وسائل التواصل الاجتماعي تُتيح الفرصة للشركات تحليل السلوك الجماعي، وبالتالي تحقيق المزيد من الربح.
بل الأشد من ذلك؛ هو النظر إلى كل فرد باعتباره أداة مُتاحة لتبديل اتجاهات وسلوكيات أصدقائه وجهات الاتصال لديه، فالأفكار والسلوكيات والانفعالات والأمزجة تنتشر كالعدوى عبر الشبكات.
وهذا المكوِّن الاجتماعي مع القيم الفردانية يجعل الإنسان أكثر هوسًا، فهو يستمدُّ قيمته الذاتية من خلاله التفاعل الإنساني، فوجود الآخرين ضروري لإسعادنا كأفراد، وكأن البشر أدوات لتحقيق لذة المرء، وبهذه الحالة يُنكر الحقائق الأخلاقية والانفعالية كالصداقة والحُب.
وبفضل مواقع التواصل صار الإنسان أكثر تمركزًا حول ذاته، وأكثر تغذية لهذا الشعور من خلال الآخرين، فمُستخدم تويتر مشغول البال بعدد مُتابعيه، ومُستخدم فيسبوك يُمكنه أن يخرج في بثِّ استهلاكي ليُشاهده الناس، وهكذا دائرة مُفرغة يُغذِّي الفرد المُجتمع بأفكاره، ويُغذِّي المجتمع الفرد بأنانيته.
ونتائج هذا التفاعل تستخدمه الشركات لصناعة الإعلانات التي تستهدف مزيدًا من المُستهلكين، وذلك من خلال جمع البيانات من مواقع التواصل وتسجيلها، ثم يتم تحليلها لفهم الخصائص النفسية للبشر، فسؤال الفيس بوك: بماذا تُفكِّر الآن؟ ليس سؤالًا بريئًا، إنه يعمل على نقطة نفسية فيك لخدمة غرض تحليلي ما.
الفكرة من كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
في عام 2014.. في افتتاحية مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستقطب أصحاب الأموال، وصُنَّاع القرار، وقادة الدول، لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية، يتقدَّم راهب بوذي في إحدى المُحادثات ليُعلِّم الأعضاء فن الاسترخاء، والاستغراق العقلي.
وفي الحقبة الماضية نرى الترويج المستمر لحركة علم النفس الإيجابي، وكيف يُمكننا أن نشعر بالسعادة خلال الحياة اليومية، ونرى كذلك مُسمًّى وظيفيًّا جديدًا في الشركات “مديري السعادة” هؤلاء الذين ينشرون البهجة، ويساعدون العُمَّال على استعادة حماستهم للعمل.
كل تلك الأمور لا تكفُّ عن ترتيل أن السعادة “خيار” شخصي في عالمنا المجنون، والحقيقة هي أن سعادتك أيُّها الموظف شيء مُهم لأجل زيادة الأرباح، وكل تلك الحيل تجعل السعادة أمرًا يمكننا الاستفادة منه داخل البيئة الرأسمالية لا لأجلك أنت، بل لأجل المال.
ومن هنا يُقدِّم لنا الكاتب كيف تجعل الرأسمالية الحياة بأكملها مُختبرًا تقيس فيه السعادة؟ كيف تصنعها؟ كيف تبيعها؟ وما الظواهر النفسية والجسدية والقيمية الناتجة من الرأسمالية؟
مؤلف كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
ويليام ديفيز: أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي، عمل بالتدريس في جامعة Goldsmiths University بلندن، وقد كتب عددًا من المقالات في بعض المجلات مثل New Left Review وProspect وThe Financial Times، وعمل مُحررًا في Open Democracy Renewal.
من مؤلفاته:
The Limits of Neoliberalism: Authority, Sovereignty and the Logic of Competition.
Nervous States: Democracy and the Decline of Reason.
معلومات عن المُترجم:
مجدي عبدالمجيد خاطر: كاتب ومترجم مصري، نُشرت ترجماته في المركز القومي للترجمة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار “أزمنة” في الأردن، ودار “كلمات” بالإمارات، وغيرها من الصحف والمجلات العربيَّة، كما قام بتأليف مجموعة قصصية بعنوان “مجرَّد شكل” في عام 2005.