الفصل بين السلطات الثلاث في ظل الحكم الإسلامي
الفصل بين السلطات الثلاث في ظل الحكم الإسلامي
يقوم الحكم الإسلامي على أسس أخلاقية وقانونية وسياسية واجتماعية وميتافيزيقية تختلف تمامًا عن الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة، ففي الحكم الإسلامي يحل مفهوم الأمة محل مفهوم الشعب في الدولة الحديثة، ومن ثمَّ فإن كل بلد يطبق الشريعة الإسلامية يعد دارًا للإسلام، وكل بلد لا يطبق الشريعة أو يجعلها في مرتبة ثانوية يعد دارًا للحرب، وبناءً على ذلك فإن الحكم الإسلامي يقوم أو يسقط على أساس الشريعة، وتمثل الأمة بمجموعها وأفرادها وسيلة لغاية أسمى وأعظم، وهو الله غاية الغايات.
فالأمة في الإسلام لا تملك إرادة سيادية ولا قانونية مستقلة، فالله وحده هو صاحب السيادة والمُشرِّع الذي لا مشرِّع بعده، وقانون الله هو الشريعة التي تسبق كل شكل من أشكال الحكم، ومن ثمَّ لا تمتلك الأمة ولا فقهاؤها إلا سلطة محدودة تتمثل في التأويل المحكوم بالقواعد الأخلاقية الإلهية، وبناءً على ذلك لا يُمكن أن يوجد حكم إسلامي، بل ولا إسلام دون نظام أخلاقي قانوني قائم على سيادة إلهية، وفي المقابل لا يمكن أن توجد دولة حديثة دون إرادة سيادية خاصة بها، ومن ثمَّ لا يمكن أن تصبح الدولة الحديثة إسلامية، لأن الحكم الإسلامي يُخضع النظام الإنساني بأكمله لإرادة الله، بينما الدولة الحديثة تُخضع النظام الإنساني بأكمله لإرادتها القانونية.
وبالتركيز على وظيفتي المفتي والقاضي في الحكم الإسلامي، فإن المحكمة الشرعية كانت تحت السلطة الكاملة للمفتين والفقهاء، وإذا رفض القاضي الشرعي فتوى ما، فليس تغليبًا لرأيه الشخصي، بل لرجحان رأي فقهي آخر، وكان كل ذلك يقوم على أساس من الاهتمام بالمجتمع ومبادئه وأخلاقه العامة، وفي ما يخص السلطة التنفيذية، فإن الحكام لم يكن لهم أي دور على الإطلاق في عمل القاضي من يوم تعيينه حتى يوم إعفائه من منصبه، وبناءً على ذلك يمكننا أن نقول بكل ثقة إن مفهوم سيادة الله في الإسلام يُعد نموذجًا فريدًا من نماذج الفصل بين السلطات، وتعد الشريعة الإسلامية حكمًا للقانون أكثر تفوقًا من نظيره في الدولة الحديثة، ومن ثمَّ فإن رهان المسلمين اليوم على مبدأ الفصل بين السلطات الخاص بالدولة الحديثة، هو رهان على صفقة فاشلة وأقل شأنًا مما عهدوه عبر تاريخ الإسلام.
الفكرة من كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
يرى حلَّاق أن وجود دولة إسلامية أمر بعيد المنال ومستحيل التحقق، لأن أي مفهوم للدولة الحديثة يتعارض بشكل صارخ مع الحكم الإسلامي ما قبل التحديث، إذ إن الحكم الإسلامي يرتكز على الأخلاق ويخضع لسيادة الله، بينما الدولة الحديثة تجعل الأخلاق هامشية وتخضع لإرادة وسيادة من صنعها، لذا فإن الكفاح السياسي والقانوني والثقافي لمسلمي اليوم يرجع إلى غياب الانسجام بين تطلعاتهم الأخلاقية والثقافية من جهة، والواقع الأخلاقي المتردي للعالم الحديث من جهة أخرى، وهو واقع لا مفر للمسلمين من العيش فيه!
مؤلف كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
وائل حلَّاق: كندي من أصول فلسطينية، ولد لأسرة مسيحية في مدينة الناصرة، وهو باحث ومتخصص في الدراسات الفقهية الإسلامية، درَّس لسنوات في جامعة “ماكجيل” في كندا، ثم انتقل إلى جامعة “كولومبيا” في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل فيها أستاذًا للإنسانيات والدراسات الإسلامية في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، من مؤلفاته:
تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السني.
الشريعة: النظرية والتطبيق والتحولات.
معلومات عن المترجم:
عمرو عثمان: باحث وأكاديمي في قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، درس العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، والدكتوراه من قسم دراسة الشرق الأدنى بجامعة برنستون الأمريكية.