الفرد الملِك في ظل الرأسمالية
الفرد الملِك في ظل الرأسمالية
ظلت النزعة الفردية ملمحًا أساسيًّا في الحضارة الغربية، كانت الفردية سابقًا معتدلة بسبب صراعها مع محاولات التضامن التي أثارها ظلم الرأسمالية، ولكن انتهى هذا الصراع في الفترة الأخيرة ليصبح الفرد هو الفاعل المكوِّن للمجتمع، وأصبح الفرد يعيش لمصلحته الخاصة وأصبح تحقيق السعادة هو الهدف الأخلاقي الأسمى للإنسان، وبالتالي فُقدت الرابطة الاجتماعية؛ فمنذ 40 سنة كان من الممكن أن يتضامن العمال لحل مشكلاتهم سواء بإنشاء النقابات أو عمل إضراب حتى يسمعهم المدير، أما اليوم أصبح كل فرد منعزلًا يطلب راحة باله ولا يقوم بأي تضحية من أجل الجماعة لأن الجماعة أصبحت منقسمة وغير منظمة، وبالتالي لم يعد الفرد يستطيع الاعتماد على الآخرين.
هذا التوغُّل للفردية انعكس في دراسات علم الاجتماع؛ حيث أصبح الفرد هو الوحدة التي يُعتدُّ بها في التحليل، كما أصبح السلوك الجماعي يُفسَّر من خلال سلوك الأفراد، ومن مظاهر الفردية أيضًا: خصخصة المجال العام؛ حيث أصبح المجال العام شأنًا خاصًّا للأفراد بدلًا من أن يكون مجالًا للمشاركة والتعايش مع الآخرين.
والفرد في العالم الرأسمالي يميل إلى المنافسة والشعور بالتميُّز مقارنةً بالآخرين؛ فهدف الثروة والربح هنا ليس تلبية الحاجة المادية فحسب، بل أن يكفل الفرد تميزًا مستفزًّا يدل على مستوى أعلى من أقرانه، ومعنى هذا أن مستوى الإنتاج اللازم لتلبية الحاجات المادية يتم تحقيقه بسهولة، لكن الزيادة الإنتاجية التي تحصل نتيجة رغبة الأفراد في عرض ثرواتهم والتفاخر بها، تعكس إهدارًا واستهلاكًا سفيهًا.
وتقوم الرأسمالية باستغلال هذه الدوافع لدى الفرد في أن يربح أكثر وأن يستهلك أكثر، كما تُشجِّع على المنافسة الدائمة التي تولِّد خوف الفرد من أن يجد نفسه بين الخاسرين أو أن يتدهور وضعه الاجتماعي، لأن كل هذا يعني زيادة في إنتاج السلع وبالتالي زيادة في الأرباح، وبذلك تحقِّق الرأسمالية اغتراب الإنسان، ويصل الاغتراب إلى ذروته عندما يتحوَّل الإنسان نفسه إلى سلعة.
الفكرة من كتاب الخروج من الرأسمالية
يحاول هيرفي كيمف في كتابه “الخروج من الرأسمالية” أن يلقي الضوء على الآثار السلبية للرأسمالية، وأهم هذه الآثار: المخاطر البيئية التي أصبحت تهدِّد حياة الإنسان على الأرض، ومن هنا يقوم كيمف باستعراض ملامح الحياة في ظل الرأسمالية، ويركِّز بصفة خاصة على فكرة الفردية التي تعتمد الرأسمالية عليها وتزدهر من خلال تعميقها، كما يقوم كيمف بمناقشة الأسباب التي أسهمت في تدهور البيئة والمجال الحيوي، وبعد ذلك يتحدث كيمف عن أهمية الخروج من الرأسمالية من أجل إنقاذ الكوكب، ويقدِّم تصوُّره عن الحل الذي يعتمد على إعادة بناء المجتمع بحيث لا يكون الاقتصاد حاكمًا، بل مجرد أداة، كما يكون التعاون هو الأساس لا المنافسة.
مؤلف كتاب الخروج من الرأسمالية
هيرفي كيمف: هو صحفي فرنسي مهتم بقضايا البيئة والصراعات الدولية، أسس صحيفة “Repoterre”، كما يعمل مسؤولًا عن قسم البيئة في صحيفة “Le monde” الفرنسية.
من مؤلفاته: كتاب “كيف يدمر الأثرياء الكوكب”، وكتاب “كفى للطغمة ولتحيا الديمقراطية”.
معلومات عن المترجم:
أنور مغيث: أستاذ الفلسفة المعاصرة بكلية الآداب بجامعة حلوان، وله العديد من الدراسات المنشورة في مجالي الفلسفة والفكر العربي المعاصر، ومن الكتب التي ترجمها من الفرنسية إلى العربية: كتاب “نقد الحداثة” لآلان تورين، وكتاب “في علم الكتابة” لجاك دريدا.