العالم الجاهلي.. تخبط جماعي
العالم الجاهلي.. تخبط جماعي
إنه القرن السابع لميلاد المسيح وقد بعدت الفترة بين البشر والسماء حتى كفروا بها جملة، وانقلبت الأرض بحرًا زاخرًا بأديان لا تعبد إلا هواها ولا ينفذ إليها من نور ربها إلا شعاع قديم خافت طُمس أغلبه وبقى دليلًا على شيء كان موجودًا، ولم تسلم الديانة المسيحية من هذا العبث، تلك الرسالة السماوية البسيطة داخلها التعقيد والسفسطة، ولدواعٍ سياسية تم حشوها بالوثنية حتى لم يعد يُمكن التمييز بينهما، ومع تراكم هذا الحشو فقدت ميزتها التوحيدية وكثرت فيها المذاهب والفرق والخلافات التي لم تنته إلى الآن، وكانت أمم العالم جميعها تكاد تتشارك في صفاتها آنذاك، من رضوخها تحت حكم قاسٍ أو اتجاهها نحو اللذة العابثة هاربين إليها وتاركين كل ما يلهيهم عنها، فَسَرَت عليهم سنة الدنيا من نقص في الأموال والأرزاق وتسلط للدول الكبرى على عيشهم.
فكانت مصر تحت حكم الروم تذوق هذا العذاب، فلم ينتهِ الأمر عند الخلافات الدينية والحروب الأهلية التي سببتها، ولكن كان الروم ينتهبون هذه الأرض ويضيقون على أهلها حياتهم بالضرائب المرهقة فاجتمع على أهلها الدين والدنيا، وحتى اليهود أصحاب الديانة والتراث القديم كانوا في عزلة من أمرهم وتوارثوا الذل والخضوع لأصحاب العروش.
أما تلك القارة الشاسعة ذات الحضارات العتيقة فكانت تتخبطها المعتقدات المضطربة والأفكار الفاسدة من الرهبنة المُهلكة الى الشهوة الجامحة، وكان أساس تلك المجتمعات قائمًا على التفاوت الشاسع بين البشر؛ يكون الحكم لبيت واحد وينقسم الشعب تحته درجات كل حسب نسبه وقدره، ولم يكن الحال مختلفًا كثيرًا في الصين والهند، فمذاهب ضالة هنا وديانات وثنية هناك، وقد ضل الناس وأصبحوا يرون في كل شيءٍ قداسة وفي كل كائن مستحقًّا للعبادة، ولم يكن العرب مختلفين عنهم في أمر الديانة والعقيدة، فلم يكن لهم دين خاص أو مذهب جامع ولكن الغالب كان على وثنيته، فإما راكع لنجم وإما لصنم أو حتى لحجر، نعم يؤمنون بإله واحد ولكن يتقربون بهم إليه، وتفشت فيهم أخلاق الانحطاط والجاهلية من أكل الربا وهوان أمر الزنا عليهم، هكذا كانت الأرض سوداء مُدلهِمة إلا من نُتف بيضاء متفرقة هنا وهناك لا يدري المؤمن إذا اختفت إحداها أين يلتجئ.
الفكرة من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
إن معاناة العالم الإسلامي من آثار الحضارة الحديثة لم تُصبه في دنياه فقط، وإنما سلبته أهم ميزاته وقواه ألا وهي نزعته وتربيته الروحية، لقد أيقظ النبي ﷺ هذه النزعة ونقاها من شوائب الجاهلية ووجه هذه المواهب إلى حيث تبرز وتنتج، يتابع أبو الحسن التيارات والأفكار التي سيطرت على البشر منذ خفوت الزعامة الإسلامية ومدى تأثيرها في حاضر البشر، وهل هي جديرة بهذه القيادة، ثم يحدد الشروط اللازمة لاستعادة المسلمين هذه الزعامة.
مؤلف كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
أبو الحسن الندوي المفكر الإسلامي الهندي، ولد بقرية تكية عام 1914م وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن ابي طالب، درس القرآن والحديث والتفسير في ندوة العلماء بكلية دار العلوم، ثم بدأ عمله بها مدرسًا للتفسير والأدب العربي، أسس العديد من الحركات والمؤسسات الدينية مثل حركة رسالة الإنسانية والمجمع الإسلامي العلمي، له العديد من المؤلفات من أهمها:
مختارات من أدب العرب.
رجال الفكر والدعوة في الإسلام.
قصص النبيين للأطفال.