الصبر والدعاء
الصبر والدعاء
يقول رسول الله (ﷺ): “أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل”، فقد كانت كُربات الأنبياء والرسل (صلوات الله عليهم) عظيمة، فهم أوَّل البشر ابتلاءً وامتحانًا في أنفسهم وأهليهم، وقد ذكرت أدعية الأنبياء في كرباتهم في القرآن، ووعد الله المسلمين بأنها مُنجية لهم جميعًا، فحين ابُتلي سيدنا أيوب (عليه السلام) بالمرض وموت أولاده وذَهاب أمواله لم يقابل ذلك كله إلا بالصبر والدعاء مُناجيًا ربه، يقول الله عز وجل: ﴿وأيُّوبَ إذْ نادى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ فاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِن ضُرٍّ وآتَيْناهُ أهْلَهُ ومِثْلَهم مَعَهم رَحْمَةً مِن عِنْدِنا وذِكْرى لِلْعابِدِينَ﴾، فأجابه الله عز وجل بفضله وكرمه فور دعائه، وكشف ما به من ضُرٍّ وكرب.
وكذلك من عُديَ وأكنَّ له أعداؤه بالكيد والمكر فعليه بقول سيدنا موسى (عليه السلام)، والأصح قيل إنه مؤمن آل فرعون، عندما توجه إلى الله داعيًا: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾، فوض لله أمره وكيد أعدائه مناجيًا بقلبه، فقابله الله بنجاته أن وقاه كيدهم وردهم، وهناك من يصب الله عليه من الخيراتِ والنعم فيخاف زوالها فكيف يغفل عن قول: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ﴾.
وجاء بالسُنة النبوية حين يشتد الكرب على المسلم فعليه بدعاء علمه النبي (ﷺ) للسيدة أسماء بنت عُميس (رضي الله عنها)، تقول السيدة أسماء: قال لي رسول الله (ﷺ): “ألا أعلِّمُكِ كلِماتٍ تَقولينَهُنَّ عندَ الكَربِ أو في الكَربِ؟ اللَّهُ اللَّهُ ربِّي لا أشرِكُ بِهِ شيئًا”، وكان رسول الله (ﷺ) مُلازمًا للذكر والدعاء في كل أحواله، حتى عند خروجه من بيته، فعن أم سلمة (رضي الله عنها) أن رسول الله (ﷺ) كان إذا خرج من بيته قال: “بِسْمِ اللهِ، رِبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أزِلَّ، أَوْ أَضِلَّ، أَوْ أظلِمَ، أَوْ أَجهَلَ أَوْ يُجهَلَ علَيَّ”.
الفكرة من كتاب أثر الدعاء في دفع المحذور وكشف البلاء
يقول الله عز وجل في كتابه المُبين: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾، فالله خلقنا في أحسن تقويم، وألهمنا نفسًا سوية وفطرة سليمة، وهناك من يُزكي نفسه فيفلح، وهناك من يُدنسها بالخطايا والفجور فيخيب ويخسر، والنفس البشرية قائمة على فطرة الله فيها، ثم تنغمس في الحياة فتحتاج إلى تغذية وتزكية نفسية وروحية لترتقي، ومن أعظم هذه التغذية ووسائل الارتقاء الإيماني الدعاء، الذي قال فيه النبي (ﷺ): “الدعاء هو العبادة”، وفي هذا الكتاب يعرض لنا الدكتور محمد موسى الشريف أثر الدعاء في المسلم وأهميته في دفع البلاء، مُستدلًّا بالقرآن والسُنة ووقائع من سير الصحابة والصحابيات، ومن الأئمة السلف والتابعين بهدف تزكية النفوس والقلوب.
مؤلف كتاب أثر الدعاء في دفع المحذور وكشف البلاء
محمد موسى الشريف: كاتب وداعية إسلامي سعودي وإمام وأستاذ جامعي، وباحث في التاريخ الإسلامي، وطيار مدني أيضًا، فقد تمكن من إكمال الدراسة الأكاديمية الشرعية، وحصل على الدكتوراه في الكتاب والسنة، وحفظ القرآن الكريم وأجيز في القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة.
له مؤلفات عديدة منها: “أثر المرء في دنياه” و”عجز الثقات” و”الطرق الجامعة للقراءة النافعة”، و”مصطلح حرية المرأة بين كتابات الإسلاميين وتطبيقات الغربيين”، و”ضوابط منهجية في عرض السيرة النبوية”، و”التنازع والتوازن في حياة المسلم”.