السيدة “ب” التي لا يعني أي شيء لها شيئًا
السيدة “ب” التي لا يعني أي شيء لها شيئًا
السيدة “ب” هي باحثة كيميائية سابقة، وفاقدة للمعنى، وحالتها المرضية هي التهاذر أو المزاح (Witzelsucht)، وهي حالة طبية نادرة تتمثل بظهور أعراض عصبية على المُصاب حيث يميل إلى إلقاء نكات غير ملائمة في أوقات غير مناسبة، ويؤدي هذا الاضطراب العصبي إلى ثرثرة المريض بقصص لا جدوى منها، وهو ناتج عن وجود ورم سرطاني ضخم يشمل منطقة الأوجه الجبهية للفصين الجبهيين.
فهي لا يهمها وظيفة الإنسان ولا مسمَّاه ولا دوره، وهو ما جعلها تارةً تطلق على الطبيب اسم الأب، وتارةً اسم الأخت وأحيانًا الطبيب، وعندما سألها إذا ما كانت تدرك الفرق بين كل هذا أجابت بلا مبالاة: “أعرف الفرق ولكنه لا يعني لي شيئًا.. أب، أو أخت، أو طبيب؛ ما الذي يهم؟”، ومنذ ذلك الوقت وهي تقول له على سبيل المضايقة: نعم أيها الأب الأخت، نعم أيتها الأخت الطبيب.
عندما سألها الطبيب: “هذا الخلو من المعنى، هل يزعجك؟ هل يعني أي شيء لك؟”، فردَّت على الفور وهي تبتسم بإشراق وبنبرة مازحة منتصرة: “لا شيء على الإطلاق”.
قد يستنكر البعض منكم إحالة قصة هذه السيدة هنا؛ فهي غير مهمة، ولكن أي شيء أصعب على الإنسان من أن يفقد القدرة على التمييز بين الأمور وأن يفقد المعنى، وأن يُصبح كلُّ شيء متساويًا؟ فتصبح اليد كالرأس، والعدو مثل الصديق، ويصبح اليسار مثل اليمين، والفرح مثل الحزن، والشيء مثل نقيضه! أي حياة تلك التي يفقد فيها المرء المعنى!
الفكرة من كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
عُرف طبيب الأعصاب والكاتب أوليفر ساكس بالبعد الإنساني والأدبي في كُتبه، فحين يكتب عن المرض، فهو لا يحوِّل المرضى إلى حالات لا روح لها، أو كما يقول في مقدمة الكتاب: “سجل الحالة الحديث يلمِِّح إلى الفاعل بصورة سطحية: “أنثى في الحادية والعشرين من العمر مصابة ببرص ثلاثي الصبغ، وهي عبارة يمكن أن تنطبق على جرذ بقدر انطباقها على إنسان، ومن أجل إعادة الفاعل البشري إلى المركز – الفاعل البشري المُعاني، والمُبتلى والمقاوم – لا بد لنا من توسيع سجل الحالة إلى قصة أو حكاية”.
ما الذي يجعل شخصًا ما يظن أن زوجته قبعة؟ إنه الدماغ، هو ما يجعله يسلك سلوكًا غريبًا ومختلفًا.
هناك فرق بين الدماغ والعقل، فالدماغ هو الكتلة المادية الموجودة داخل الجمجمة، أما العقل فهو القدرة على التفكير والوظائف الإدراكية.
مؤلف كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
أوليفر ساكس: هو كاتب وباحث وطبيب أعصاب بريطاني متخصِّص في علم الأعصاب، ولد سنة 1933 في لندن، وتوفي سنة 2015. حاز رتبة قائد في رتب الإمبراطورية البريطانية (CBE)، وهو عضو جمعية الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا.
ألَّف الطبيب أوليفر ساكس مجموعةً من الكتب الأكثر مبيعًا، وقد تناولت في معظمها الحالات المرضية التي واجهته في مسيرته المهنية، والبعد الإنساني لها، ومن أشهر هذه الكتب:
أريد ساقًا أقف عليها.
رؤية الأصوات رحلة إلى عالم الصم.
عين العقل.
على الطريق (نُشر هذا الكتاب سنة 2015 قبل أشهر قليلة من موته).
عمى الألوان.