السوق الحرة والتنافسية.. الاقتصاد كعلم منطقي
السوق الحرة والتنافسية.. الاقتصاد كعلم منطقي
غالبًا ما يتفق الجميع مع السياسيين على أن خبراء الاقتصاد لا يأتون بأخبار سعيدة على الإطلاق، ويجد الاقتصاديون أنفسهم في وضع حرج، فهم لا يفعلون شيئًا غير تصميم النماذج ونقل رسائلها، فلماذا يتلقون كل هذا اللوم؟ تعود هذه الكآبة إلى العصور الوسطى عندما نظر اللاهوتيون حول السعر العادل وموقف الكنيسة من الربا، ولم يكن الهدف من هذه التنظيرات كيفية زيادة الثروة أو الإنتاج، ولكن معرفة الحلال والحرام، وهذا ما وجده الساسة والتجار غير مهم.
سيطر المنهج التجاري لفترة على اقتصاد الحكومات العالمية، حيث تتدخَّل الدول لحماية مُنتجيها، وتمنح الهدايا والاحتكارات على أساس الإخلاص والتقرُّب من الطبقة الحاكمة، ليس بناء على جودة المنتجات أو القدرة على المنافسة، ويتم قياس الثروة بناء على الموارد الطبيعية والمعادن النفيسة التي تمتلكها الدولة، كان هذا بالتحديد ما سعى سميث لهدمه بالكامل، عندما بدأ في تأليف كتابه “ثروة الأمم”، بنى سميث نظريته في كيفية زيادة ثروة الأمم، على أساس الدوافع البشرية، على الحكومات أن تترك الجميع يتبع مصلحته الشخصية، ينتهج الأنانية لتحقيق أهدافه الخاصة، ومع السوق المفتوحة والجو التنافسي العادل، يضمن للجميع أن هذه اليد الخفية ستضبط كل تلك المصالح الشخصية وتجعلها تصبُّ في مصلحة المستهلكين.
السوق الحرة وحدها لا تضمن ثروة أممية ضخمة، ولذلك فالمبدأ الثاني عند سميث هو “تقسيم العمل”، ويؤمن سميث أن تقسيم العمل يمكِّن الشركات من مضاعفة إنتاجها، وهو الذي يزيد من ثروة الأمة، فبتخصيص المهام وتقسيمها، يتمكَّن العمال من التركيز على مهارة معينة، وبالتالي تأديتها بكفاءة أكثر ووقت أقل، وإذا نقلنا هذا المبدأ إلى نطاق أشمل بتقسيم المهام على دول أو أسواق مختلفة، تصبح النظرية أكثر كفاءة، إذ لا يتعلَّق الأمر بالإنتاج فقط، بل باتساع الأسواق والتنافسية التي تستهدفها، ولكن سميث كفيلسوف أخلاقي قبل أن يكون عالم اقتصاد، حذَّر من الغباء والكسل اللذين يكتسبهما العمال من تكرار نفس العمليات المحددة مرارًا، ويمكننا اليوم رؤية اقتصاد الولايات المتحدة كمثال ممتاز على نظرية سميث، حيث نزعت الحكومة رقابتها ودعمها عن السوق والشركات قدر ما استطاعت، وبتحرُّر الشركات الأمريكية من الضوابط الحكومية ودخولها عالم التنافسية في السوق الحرة، تضمن بذلك أن تكون المصدر المضمون للابتكارات الجديدة، وأن تكون أول من يفتح تلك الأسواق أيضًا، وبذلك تصبح تلك الاقتصادات المدعومة من حكوماتها تابعة للشركات الأمريكية ومستفيدة منها.
الفكرة من كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
شهدت العقود الماضية، منذ انهيار سور برلين والتفكُّك السلمي لدول الاتحاد السوفييتي، مفاجآت مدهشة متتابعة لعلماء الاقتصاد حينها، فطالما نظر الاقتصاديون التقليديون إلى الموارد الطبيعية باعتبارها المؤشر الرئيس للثروة والضامن الحقيقي للازدهار وزيادة ثروة الأمم، لكن التاريخ الحديث أثبت بالقطع فشل هذا المنظور، وتم التصديق على فشل النظرية الروسية في الاقتصاد، واقتنع الصينيون أخيرًا بهذا، وبدأت الصين نهضتها بدراسة مناهج الاقتصاد من هارفارد، وتوجَّهت بعض الأعين ناحية اليابان التي بدت كالقوة الاقتصادية الأكثر هيمنة في الثمانينيات، لكن هذا التفوُّق لم يُنتِج أي ابتكارات حقيقية تضمن لليابان السيطرة في المستقبل، فلماذا لم تستطِع روسيا أو اليابان وأمثالهم البقاء كرواد للاقتصاد العالمي؟ هذا وأكثر ما سيخبرنا به الاقتصاديون العظام.
مؤلف كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
تود جي باكولز: اقتصادي ومؤلف شهير، درس باكولز في جامعة هارفارد، وحصل على درجة علمية من جامعتي كامبريدج وهارفارد، وعمل مديرًا للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض، وكتب في العديد من الصحف الشهيرة مثل “نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، ومن مؤلفاته:
أفكار جديدة من مدراء راحلين.
ثمن الرخاء.
معلومات عن المترجمين:
كوثر محمود محمد: درست في كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وتخرجت عام 2008م لتعمل مترجمة في مؤسسة هنداوي، وترجمت العديد من الأعمال المتنوعة، مثل: مغامرات هاكلبيري فين لمارك توين، وفي قلب مصر لجون باردلي.
حسين التلاوي: مترجم حر، وعمل سابقًا في مؤسسة هنداوي كذلك.