الرعاية الاجتماعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

الرعاية الاجتماعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان
في عام 1949م، ألقى عالم الاجتماع الإنجليزي «توماس هامفري مارشال | Thomas Humphry Marshall» مجموعة من المحاضرات في جامعة “كامبريدج” عن دولة الرعاية، في وقت حقق فيه حزب العمال البريطاني إنجازات غير عادية، ووصف مارشال ما وصلت إليه دولة الرعاية بأنه مجيء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واهتم مارشال في الأساس بأهمية إنجاز المواطنة الاجتماعية كغطاء للمواطنة المدنية والسياسية التي أنتجتها القرون السابقة عن القرن العشرين، وأوضح أن ما يهمه هو نشوء المواطنة القائمة على المساواة المادية تحت إشراف دولة الرعاية، وليس السعي إلى إتاحة الأساسيات فقط، لكن أوضح مارشال أن التأثيرات غير المباشرة للسياسات الاجتماعية الدنيا من عام 1949م في ميادين الرعاية الطبية والإسكان العام وإعانة البطالة كانت متقطعة وذات انعكاسات فورية على المساواة في المنزلة وليس على المساواة في التوزيع، وذلك من خلال منح الناس حماية بالحد الأدنى أشعرتهم بأنهم متكافئون في المنزلة دون التمتع بمساواة مادية مناظرة بسبب القيود على الهرمية، ومن ثم اعترف مارشال بأن الحقوق الاجتماعية عملت على ترسيخ انعدام المساواة في التوزيع، بل وعملت على توسيع نطاقها.

ونستطيع أن نقول إن الحقوق الاجتماعية كانت رائجة في فترة ما بعد الحرب، وخصوصًا في الأماكن التي كانت تنشط فيها الاشتراكية أو الشيوعية، إذ جعلت العمل على إدراج حد أدنى اجتماعي في قمة أولوياتها. وكان خروج الاتحاد السوفييتي منتصرًا على النازيين في الحرب العالمية الثانية والمطالبة بحقوق عالمية من أهم العوامل في سن السياسات المساواتية بعد الحرب. وبموجب النموذج السوفييتي قدمت الأنظمة نفسها لشعوبها وللعالم دولًا عمّالية، وكان من نتائج ذلك أن الأحزاب الاشتراكية والنقابات المهنية رفضت العمل ضمن حدود الملكية الخاصة. ولم تستطع الاشتراكية تطبيق المساواة المطلقة في التوزيع بجدية، لكنها عملت على تقليص الهرمية في المجتمع.
وفي أثناء المفاوضات حول تدشين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تباهى مندوبو الاتحاد السوفيتي وعدد من الدول الاشتراكية الأخرى بالتزامهم بحقوق العمال، بينما أبدوا حماسة أقل تجاه حقي المسكن والمطعم، وفي أثناء النقاش عن الحق في المساواة دعا الاتحاد الأمريكي للعمل إلى توزيع أكثر مساواة للدخل والثروة الوطنية، بينما ذهب المندوب السوفيتي إلى اقتراح المساواة بين الأفراد لبلوغ المساواة في الأوضاع الاجتماعية، وركز على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعمومًا فإن المفاوضات حول الإعلان العالمي في ما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية لم تذهب إلى أبعد من المساواة في التوزيع، وفي ديسمبر عام 1948م، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، قالبًا لدولة الرعاية الوطنية.
الفكرة من كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
قبل عام 2008م، كانت حقوق الإنسان تُعد ضمانة للحياة الكريمة في مختلف أنحاء العالم، تسعى إلى توفير فرص متساوية وتؤكد عدم وجود حواجز تمنع ذلك. ومع ذلك، بدايةً من عام 2008م، ظهرت إحصائيات محبِطة على الصفحات الرئيسة للصحف، تشير إلى تصاعد الفجوة بين الأثرياء والفقراء بشكل متسارع في معظم البلدان. كما أظهرت التقارير أن عددًا قليلًا من رجال الأعمال يسيطرون على ثروة تفوق ثروة نصف سكان العالم، مما يجعل عصر حقوق الإنسان يبدو متعارضًا مع مفهوم العدالة في التوزيع، إذ أصبحت فترة تمكين الأثرياء. وفي سياق متصل تخلى المدافعون عن السوق الحرة عن هدف المساواة المادية، وجعلوا الأولوية لأمور لا تخدم فكرة حقوق الإنسان، مثل إنقاذ الفقراء بدلًا من العمل على تحقيق المساواة المادية، إذًا لنتتبع هذا السياق ونُلق نظرة متعمقة على هذه القضية.
مؤلف كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
صامويل موين: أستاذ القانون والتاريخ في جامعة ييل «Yale University»، ويشغل أيضًا منصب رئيس كلية جريس هوبر «Grace Hopper College»، حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الأوربي الحديث من جامعة كاليفورنيا – بيركلي في عام 2000م، كما حصل على درجة علمية في القانون من جامعة هارفارد في عام 2001. وهو زميل معهد «Quincy Institute for Responsible Statecraft»، ومن مؤلفاته:
اليوتوبيا الأخيرة: تاريخ حقوق الإنسان.
Liberalism against Itself: Cold War Intellectuals and the Making of Our Times
Humane: How the United States Abandoned Peace and Reinvented War
The Right to Have Rights
معلومات عن المترجم:
أمين الأيوبي: مهندس ومترجم لبناني، حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة عام 1989م من جامعة بيروت العربية، وبعد أن زاول مهنة الهندسة لمدة 7 سنوات، اختار أن يعمل في مجال الترجمة. من ترجماته:
طبيب في رئاسة الوزراء: مذكرات الدكتور مهاتير محمد.
العالم من دوننا.
الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر.
الدولة: نظريات وقضايا.
الموضوعية.