الحذر المفرط
الحذر المفرط
لا شك في أن التعويض عن المنتجات أو الخدمات المعيبة أو المضرة ميزة تدل على اقتصاد قوي مبني على المعايير الأخلاقية العالية، إلا أن ثقافة التعويضات من شأنها تحريف هذه الصورة، لأنها تُسهم في بناء اقتصاد طفيلي ينمو على حساب الاقتصاد الحقيقي ويؤذيه، فتتحوَّل مخاطر الحياة العادية إلى فرص للاستغلال هدفها تحصيل الربح السريع، وعلى نحو مفاجئ، نشأت مؤسسات مفرطة الحذر، حيث جرى تحديد المخاطر مهما كانت بساطتها والمطالبة بتعويضات، ومن الصعب التحلِّي بنفس الدرجة من الطاقة والتهذيب والود إذا كنت خائفًا من التعرُّض للوم ودفع تعويض.
ومن صور الحذر المفرط ما يفعله بعض الأطباء من عدم المجازفة بإجراء إحدى العمليات خوفًا من النتائج التي ربما تفشل، ويتركون المريض الذي من الأكيد أن حالته خطرة، بسبب الخوف من تلقي اللوم، ولذا انتشر الطب الدفاعي في كثير من البلدان حيث يطلبون من المريض توقيع استمارة إخلاء مسؤولية، ويتجنَّبون معالجة المرضى من ذوي المخاطر العالية، كما يزيدون من عدد الفحوصات المطلوبة، ما أدى إلى التضخم في تكاليف نظام الرعاية الصحية.
وتعدُّ الشركات الضخمة والمنشآت الخاصة الأكثر عرضة للوم بصورة خاصة، ولذا لجأت تلك الشركات لنشر علاماتها التجارية وجعل حضورها واسع الانتشار، حتى تُشبِع وعينا بالعلامة التجارية، وتخدِّرُنا بغية قبولها والرضا عنها، ونحن غافلون عن ذلك، وهنالك الكثير من هذه الشركات مثل “ماكدونالدز” التي تتمتَّع بحصانة عالية، ويمكنها حشد موارد كبيرة للدفاع عن نفسها عندما تواجه تحديات علنية، وتخفيف أي تعويضات يتم فرضها عليها.
هناك بعض الأشخاص الذين يعملون في بعض المؤسسات، ويشهدون على فسادها ثم يقومون بالتبليغ عن تلك المخالفات، مُعرِّضين بذلك أنفسهم وحياتهم للخطر، ويطلق عليهم خونة ووشاة، ويفعلون ذلك بسبب الشهرة، رغم أنهم في الواقع أناس شرفاء رفضوا رؤية الظلم دون تحريك ساكن، وهم يتحلَّون دونًا عن غيرهم بالشجاعة والذكاء، بل وحتى التهور اللازم للسباحة عكس تيار الخضوع والصمت، ولذا فإن أغلب الشركات تهدِّد موظفيها وتحذِّرهم بالتكتُّم على ما يحدث داخل المؤسسة وإن ترك أحدهم العمل يتلقَّى كمًّا من التهديدات، لضمان بقاء فمه صامتًا.
الفكرة من كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
عندما يحدث خطأ ما في حياتنا يكون رد فعلنا الأول والطبيعي هو البحث عن شخص نُلقي عليه اللوم، إذ يُشكِّل اللوم جزءًا كبيرًا من حياتنا، فهو وسيلة لتحديد موقفنا، كما يتشكَّل كثير من فهمنا للوم من الأخبار، لأنه هو ما يصنع الأخبار، ويُتيح ترويجها وبيعها، واللوم مهم لأنه على ما يبدو يفسر بعض الأمور مثل “لماذا هناك بطالة؟”، فتكون الإجابة: “خطأ الحكومة التي جعلت الأجانب يُسيطرون على الوظائف”، إذًا اللوم هو وسيلة سريعة لإيصال المقصود عندما نَشعر بتهديد ما، وهو لغة الاتهام والدفاع عن النفس، لكن لماذا اكتسب اللوم هذا القدر من الأهمية في العديد من المجالات؟ وما عواقبه؟ هذا ما سنتعرَّف عليه في السطور القادمة.
مؤلف كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
ستيفَن فاينمان: حصل على ماجستير في علم النفس المهني عام 1969، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة شيفيلد عام 1974، عَمل أستاذًا جامعيًّا للدراسات التنظيمية في كلية الإدارة بجامعة باث في المملكة المتحدة، واهتم بالكتابة في مجال التنظيم السلوكي، والنظريات التنظيمية النقدية، ونشر العديد من الكتب والدراسات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بعالم العمل والعدالة الاجتماعية.
ومن أهم أعماله:
العمل.. مقدمة قصيرة جدًّا.
Understanding Emotion at Work.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: وُلد عام 1961 في حمص بسوريا، وهو كاتب وصحفي ومترجم من أصل سوري يقيم في دبي بالإمارات العربية المتحدة، شغل منصب مدير تحرير “مجلة PC Magazine- الطبعة العربية”، ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، ومدير محتويات بوابة “عجيب”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربس” العربية.
ومن أهم ترجماته:
فن الحرب.
في مديح البطء.