الجانب المظلم للاستشراق
الجانب المظلم للاستشراق
لا يُعد الاستشراق علمًا يكشف عن حقيقة، بل هو سلاح في أيدي الدول الغربية للهيمنة على الآخرين، يحكمه المصالح الغربية والرأسماليات والاستخبارات في إطار منظومة أكاديمية لإضفاء الشرعية، وللحفاظ على سيطرة الأفكار الأساسية التي لا تتغيَّر في جوهرها عن الإسلام والشرق والعرب.
لقد اعترف العديد من المستشرقين بالعلاقة الوثيقة بين الاستشراق وحركة الاحتلال العسكري التي استهدفت العالم الإسلامي منذ القرن السابع عشر الميلادي وحتى منتصف القرن العشرين، وتجلَّت تلك الحقيقة في مشاركة العديد من المستشرقين بدراساتهم ومشورتهم في حكومات الاحتلال فيقول كوروزون واصفًا تلك الدراسات بأنها الأثاث الضروري للإمبراطورية؛ فالمستشرق لويس ماسينيون كان مستشارًا في وزارة المستعمرات الفرنسية، والمستشرق دي ساسي شَغَل منصب المستشرق المقيم بوزارة الخارجية الفرنسية، وبارتولد وبيكر وهورغرونيه وبروفنسال وغيرهم، كلهم خدموا حكوماتهم الاحتلالية!
وبعد انتهاء عصر الاحتلال العسكري المباشر في منتصف القرن العشرين، ظهر شكل جديد من الاستشراق لضمان بقاء مصالح الاحتلال بعد الاستقلال؛ وذلك لخدمة مختلف الوكالات الحكومية ووكالة الأمن القومي ومكتب التحريات الفدرالي، فالتداخل بين عالم البحث الأكاديمي وعالم السياسة كبير ومفزع، وذلك حتى تناسب الأبحاث صُنَّاع السياسة مقابل الحصول على تمويل جيد، مثلما حدث مع بناداف سافران- مدير مركز جامعة هارفارد لدراسات الشرق الأوسط- بخصوص تسلمه آلاف الدولارات من وكالة المخابرات المركزية لتمويل مؤتمر دولي ضخم عن “الإسلام والسياسة في العالم الإسلامي المعاصر”، وإحدى صور الاتصال بين الاستشراق الجديد والسياسة ما يسمى بمراكز البحوث أو مستودعات الأفكار التي تُعد حكومة الظل التي تصوغ القرارات ثم تترك مهمة التوقيع على الإدارة ومعاونيها، مما يوضح العلاقة غير الأخلاقية التي تُوَظَّف فيها المعرفة بشكل سافر للسيطرة على الشعوب واحتلال الأرض ونهب الموارد.
وإحدى نتائج الدراسات الاستشراقية التي طُبِعت في الذهن الغربي هي صورة العربي الشهواني المتسلِّط على المرأة، إلى جانب تلك الصورة المطبوعة في الإعلام الغربي، ومن ثم في مجتمعاتهم عن الحجاب واعتباره رمزًا للسلطة الذكورية والخضوع الأنثوي السلبي، وفي السياق نفسه قام أحد الباحثين بدراسة ثلاثمائة وخمسين رواية بريطانية وأمريكية وكيفية تناولها لشؤون الإسلام والعرب فوجد أنها تُسِيء إلى الإسلام والمسلمين وتتخذ المشرق المسلم مسرحًا للتبذُّل والخيال، وكل ذلك بهدف شرعنة أخلاقية لمشروع الاستعمار للتشويه والقضاء على ثقافات الشعوب المستعمَرة.
الفكرة من كتاب حول الاستشراق الجديد: مقدمات أولية
ما المقصود بالاستشراق؟ وما البنية الفكرية لتلك الأبحاث؟ وما أبرز المحطات الفكرية والتاريخية التي مر بها منذ نشأته؟ وما أبرز الانتقادات الموجهة إلى الدراسات الاستشراقية سواء على المنهج الأنثربولوجي والمنهج اللغوي؟
يتناول هذا الكتاب قضية الاستشراق وموقف المجتمع الغربي من واقع المجتمعات الإسلامية بغرض تعميق الوعي بالسياسات الغربية، وبخاصةٍ بعد تغلغل تلك المفاهيم في المجتمعات الإسلامية وسيطرتها على منافذ التأثير بسبب شبكات الاتصال العالمي، التي أصبحت بمنزلة شكل جديد للاحتلال.
مؤلف كتاب حول الاستشراق الجديد: مقدمات أولية
عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي: كاتب سعودي، له العديد من المقالات منها: معنى الحياة في العالم الحديث، الاستقبال العربي لعلم اللغة، الإبادة الثقافية، وله كتاب بعنوان “التبرج المسيَّس”.